إسلام !!! وأنا مسيحية!!

في أدبيات الحياة في مصر.. يقف الدين مكونًا أساسيًّا من مكونات الحياة.. في الأصل كان مكونًا إيجابيًّا بكل ما تحمله كلمة الدين من معانى الطيبة والسماحة والإقبال على الحياة، حتى خرجت تلك العبارة «إننا شعب متدين بطبعه»، كان وصفًا جميلاً قبل أن يتحول إلى عبارة تهكمية نذيِّلها بعلامات تعجب كثيرة!!! لأنها حاليًا تُستخدم لوصف تناقضاتنا وبذاءاتنا وخيباتنا!!

تغيَّر ما تغيَّر.. وصرنا إلى ما نحن عليه، ولكنى بصدد التركيز على مشهد ممَّا وصلنا إليه.. استقر في الذهنية- الدينية- الحديثة حساسية شديدة في الحديث عن مسألة الدين.. حساسية نابعة من هشاشتنا وشعورنا الدائم بالخطر.. حساسية شديدة أن ينتقد مواطن سلوك مؤسسة دينية! حساسية أن تسأل وأن تختلف! حساسية أن أكتب الآن مقالاً عن إسلام وأنا مسيحية!! حتى إننى أشعر بأن تلك المقدمة الطويلة حساسية مبالغة منى للحديث عن حكم.. يعد سُبَّة للمصريين جميعًا بمختلف طوائفهم ودياناتهم وانتماءاتهم الفكرية!!

لماذا أكتب الآن عن إسلام.. أكتب الآن لأنى كنت أستوثق صحة نظرية أن الناس ينسون بسرعة.. ينفعلون ويغضبون، ثم يعودون إلى حياتهم مستسلمين لما حدث وما سيحدث!! قصدت أن أنتظر بضعة أيام قبل أن أكتب عما أعتقد أنه الخطر الحقيقى على وطننا.. أتعرفون ما هو! إنه «كراهيتنا الشديدة للمختلفين عنا»، مجتمعنا يعانى من متلازمة و«من ليس معنا.. فهو علينا»!! إسلام بحيرى صار الآن النموذج الأوضح لمن يخرجون عن المألوف ويفكرون في بعض الأمور التي صارت من المسلَّمات ويناقشونها. بالمناسبة أنا لم أكن أرى في انفعال إسلام في طرح آرائه طريقة مناسبة، لكنى لست بصدد مناقشة همِّ إسلام وقضيته.. فقط كنت أتمنى أن ينجح إسلام في معركته التنويرية، التي يقرؤها كل فاهم للمنطق، وكل مُطَّلع على أي دين، معركةً في صالح الدين لا ضده!

كنت أتمنى أن ينجح.. حتى ننجح جميعًا.. في ما حلمنا، ومازلنا نحلم به، من رؤية لمستقبل أفضل لأولادنا.. لنهديهم أفكارًا لا طقوسًا.. لنهديهم طريقًا لا طريقة! لنهديهم سلامًا واختبارًا لمعنى الدين- كل دين- لا مجرد نصوص جامدة يقفون أمامها عاجزين!

كنت أتمنى أن ينجح إسلام.. في اجتهاده لمحاربة أفكار دخيلة.. يراها تشويهًا وتجريفًا لما يؤمن به! حتى ينجح مينا ومايكل في اجتهادهما لمحاربة ألفاظ دخيلة وطرق دخيلة.. يرونها تسطيحًا وتشويهًا لما يؤمنون به!!

لأن في المسيحية أيضًا نماذج تفكر وتدرس وتنقى وتنتقد، ويتم انتقادها وإقصاؤها، أو على أقصى تقدير من السماحة، يتم تجاهلهم ولا يناقشهم أحد.

ففى بعض المدائح والتراتيل الكنسية «القديمة» مصطلحات تخالف نصوص الكتاب المقدس كتبها أناس بسطاء، وتحتاج إلى تعديل وتنقيح، وتخرج أصوات تنادي بمراجعتها وتنقيتها وتطويرها بما يتناسب مع القراءة الصحيحة للكتاب المقدس، فيعاب عليهم أو يتم تجاهلهم، وكأن الحديث عن أي شىء «قديم» ومحاولة تطويره وتنقيته وتقويمه بمثابة خطر على القادة الدينيين في أي مكان وزمان ودين!! حتى خرج علينا في نفس الأسبوع بيان صادر من مؤسسة كنسية.. رأت خطرًا سلوكيًّا يداهم شعبها فسارعت بإقرار منشور «عقابى» انتقامى بدلاً من أن «تبكِّت» نفسها على تقصيرها في تنوير الناس وتعليمهم مبادئ وتعاليم دينهم حتى «يختاروا» بإرادتهم أن يسلكوا سلوكًا قويمًا نابعًا من داخلهم، لا رهبة من قوانينهم ولا خوفًا من عقوباتهم.

الحكم الصادر ضد إسلام بحيرى يعيب زماننا، ولا يعيب مفكرينا، هو مجرد رصاصة في الهواء.. القضية ليست في حكم ببضعة شهور يخرج بعدها إسلام- أو غيره- أقوى وأكثر إصرارًا على استكمال ما بدأوه!! فالمفكرون لا تحدُّهم أسوار..! ولا ترهبهم أحكام!

القضية في هذا الإرهاب الخشن لكل من ينتوى أن يفكر.. لكن ليس لديه الطاقة والوقت ليحارب!!

المصريون أرادوا حربًا ضد الإرهاب، فوجدوا إرهابًا كى لا نحارب!

لماذا صعبتم علينا المعادلة؟! لا أقصد هنا مسألة الجهاد من أجل التنوير.. فمن رأى النور لن يتوقف عن الشهادة به ولا عن القيادة إليه، إنما صعبتم علينا أن نفهم ماذا يريد منا هذا الوطن؟! أتراه يريدنا محاربين معه؟ أم حائرين يائسين!! أم خصومًا ثائرين!!

سلام على كل من يفكر.. سلام للفكرة.. وسلام للكلمة..!

لقراءة المقال علي موقع المصري اليوم

Tags:
To Top
Contact

Get In Touch