الذنب العام!

فنجان القهوة الذى أطلبه من مكانى المفضل أثناء رحلتى الطويلة بالسيارة.. تحول إلى ذنب خاص!! أقترفه كل مرة ثم أشعر بالذنب، فكلما ارتفع سعره- وأنا والحمد لله مازلت قادرة على شرائه كغيرى- تكرر شعورى بالذنب وأنا أعرف أنه قد يحل أزمة يوم لطالب يريد شراء ملزمة!، وقد يحل أزمة شهر لأم تحتاج إلى دواء وإذا صاحبه ساندوتش وصديقة (أى صارت عزومة فطار بسيطة) فقد تحل أزمة إيجار شهر لشقة صغيرة!!!.

هذا هو الحال فى مجتمعاتنا الآن!! نشعر بالذنب لأشياء لسنا السبب فيها.. لأن الفجوة الاقتصادية بين الناس صارت مرعبة، أعرف أن هناك فى كل مكان وزمان على وجه الأرض طبقات اجتماعية واقتصادية، وأن الناس يتنقلون ما بين الطبقات صعودا وهبوطا باختيارهم أو بدون اختيارهم أحيان أخرى!. فكلها أمور أحدث بها نفسى ألف مرة وأنا أشترى القهوة، محاولة أن أسكن ذلك الشعور بالذنب الذى تمثله لى أشياء بسيطة أحبها وأعلم أنها طبيعية!.

دعك منى الآن، ودعك من أحاديث السياسة قليلا، توقف عن التندر على كل شىء لبعض الوقت.. اترك مساحاتك الآمنة وقهوتك ومؤسستك أو شركتك ومجموعات الأصدقاء الذين يشاركونك نفس الاهتمامات ونفس الانشغالات.. وفكر اليوم فى أسرة دخلها 1500 جنيه شهريا ولديها طفلان فقط!!، لا أريد فى هذا المقال مناقشة أى أحوال اقتصادية ولا نظريات اجتماعية.. أريد أن أقول لك ولنفسى ولآخرين.. إن هناك بيوتًا تئن فى تعفف، وإن هناك احتياجات لآخرين حولك أبسط كثيرا مما تتخيل ومشاكل كبرى تحلها تكلفة عشاء، ويسهلها ثمن قطعة ملابس من محلك المفضل!!.

الشعور العام بالذنب ليس هو الأصل فى المجتمعات ولا هو الغرض مما أشاركك به اليوم، لكن الشعور العام بالمسؤولية هو الأصل فى المجتمعات التى يسكنها البشر.

نعم.. أنت مسؤول بشكل ما عن تلك الأم التى أعيتها السبل حتى تعول أولادها، أنت مسؤول عن ذلك الطفل فى أقصى الصعيد الذى يسكن دار أيتام لا يصلها أى إعانات.. أنت مسؤول عن جارك الذى يصارع من أجل إكمال إيجار منزله، ولكن عمله الشاق لا يعوضه أجرا كافيا!.

إن حل معضلة العدالة الاجتماعية لا يناقش فى أعمدة صغيرة كالمتاحة هنا، لكنها تكفى جدا لنذكر بعضنا أن ثمة شيئا رائعا يمكن فعله بأقل مجهود، وأننا مثلما نسأل عن المطعم الجديد الذى يقدم طعاما فاخرا، يمكننا أن نسأل عن أماكن مختصة بمساعدة هؤلاء الذين ننساهم فى زحمة الحياة وكثرة مطالبنا وأحلامنا الكبيرة.. هم أهدأ كثيرا من أن يُزعجوا ساستنا، وأحلامهم أبسط كثيرا من أن يصعب تحقيقها بالجهود الفردية البسيطة!.

لقراءة المقال علي موقع المصري اليوم

Tags:
To Top
Contact

Get In Touch