المكاشفة التى نخافها

لا أعرف من الذى زرع فى ثقافتنا وبيوتنا ومجتمعاتنا ثقافة (كله تمام)!

تطلب الأم من ابنها ألا يخبر والده بالدرجات الضعيفة التى حصل عليها، إشفاقا منها عليه حتى لا تحمله هموما جديدة أو رغبة منها فى إخفاء تقصير الابن أو تفاديا لكلمات اللوم الشديدة التى ستسمعها منه حين يعرف ما حدث…!

كبر هذا الابن فصار موظفا تقليديا متوسط الأداء لكنه بارع فى تصدير كلمة (كله تمام) لرئيسه فى العمل وبارع فى إخفاء النواقص والمشاكل والعيوب هو بارع فى (إخفائها) أكثر من (حلها) فتصدير فكرة المثالية يعطل الإبداع أو التصدى للمشكلات الذى يتطلب فى معظم الأوقات قدرا كبيرا من الثقة بالنفس وقدرا أكبر من المكاشفة.

لا أعرف أيضا من الذى جعل هذا الموظف نموذجا جيدا يحتذى، ولا أعرف متى انسحب هذا النموذج على أداء الكثيرين حتى صار سلوكا شائعا يظن به كل صاحب مسؤولية بسيطة أن عليه دائما الإجابة بأن (كله تمام!!).

النموذج الثانى هم من يجتهدون فعلا ولكنهم لا يدركون كل النجاح ويضطرون للانسياق لنفس السلوك (كله تمام)، حتى لا يشعروا الآخر بالمشكلة ويحملوا أنفسهم ما لم يطلبه أحد منهم!.

الحكومة المصرية – التى تعتبر الآن فى قمة لياقتها – واستطاعت أن تكسب ود الناس ودعمهم وتأييدهم فى الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق يبدو أنها تخاف من المراهنة على وعى الناس حتى رغم تكرار إعلان ذلك..

فالرهان الحقيقى على وعى الناس ليس فقط فى مسألة الحماية الشخصية التى ينفذها كل فرد بحسب قدراته وقابليته وفهمه..

لكن الرهان على الوعى يعنى الإشراك فى المسؤولية والمكاشفة على طول الخط وعدم الخوف من المصارحة بخطورة الأمر وثقله على المنظومة الصحية التى – شأنها شأن الكثير من دول العالم – لم تكن مستعدة (لوباء) يجتاح البشرية بل كانت منظومة صحية تجاهد لتبقى وأمامها الكثير من التحديات.

تصدير رسالة (كله تمام) للناس إشفاقا عليهم من الخوف، أو تفاديا للملامة هو أمر قد يؤدى إلى عكس المطلوب تماما.

ليس المطلوب الآن أن نشعر بأن (كله تمام)!! بل بالعكس ربما إذا ظهر علينا مسؤولو وزارة الصحة وشاركونا بتحديات محدودية الأماكن المتاحة للعزل، وطاقة الفرق الطبية التى تخدم آلاف المرضى الآن، وتحديات الأعداد المتاحة من التحاليل..

ربما إذا شاركنا المسؤولون بالحقيقة بأكثر وضوحا دون أن يلقى باللوم على الناس لتفاعل الناس بطريقة أفضل.

ربما يخاف الرجل المستهتر إذا شعر بأنه قد لا يجد مكانا متاحا للعلاج.. ولكنه لن يخاف إذا قلت له إن (كله تمام!).

لقراءة المقال علي موقع المصري اليوم

Tags:
To Top
Contact

Get In Touch