ثلاثية (الأجر العادل)

بعد كل موجة تحريك فى سعر الوقود فى مصر، تتعرض مصر بكل طبقاتها إلى موجات عنيفة وغير منضبطة من الغلاء تحدث فورا وبدون منطق وبدون حسابات النسبة والتناسب الطبيعية التى يجب أن يخضع لها أى تحريك من الأسعار وتراقبها الحكومة بمعايير صارمة لا تهاون فيها. لكن المشكلة الأكبر التى تظهر نتيجة تلك الهزة ليست فى ارتفاع الأسعار وحدها.. إنما فى فكرة (الأجر العادل).

فهناك دائما «موظفون يشكون من أجور غير مناسبة للحياة ولا ترتفع مع الزيادة، ووظائف تشكو من موظفين إنتاجيتهم محدودة وقدراتهم لا تتطور، ومتعاملون يشكون من خدمات رديئة!».

ثلاثية من عدم الرضا من جميع الأطراف.. والجميع يشير بأصابع الاتهام على (الآخر)، والكل يصب غضبه على (الدولة)!!!.

الحقيقة أن الكل هنا على صواب!!، ليس من الممكن أبدا أن نطالب الناس بالشعور بالرضا عن أحوالهم دون أن يكون هناك قدر من المنطق يصاحب عقولهم ويفهمها أين تقف، وإلى أين تذهب وكيف تصل إلى هناك!!!.

الأجر العادل حق طبيعى وحل طبيعى لثلاثية عدم الرضا.. وأقول هنا (أجر عادل) يعنى أن نرتضى ونفهم أن من حق الإنسان أن يحصل على أجر يتناسب مع قدراته وكفاءته ويزيد كلما زادت كفاءته وإنتاجيته، فيصبح هذا دافعا كافيا لزيادة الحماس والقدرات والكفاءات.. مع أن يدرك تماما تأثير عكس ذلك على دخله أيضا!!.

فليس من العدل أن يتساوى المجتهد والكفء والأمين مع الكسول والمتهاون والفهلوى!.

الأجر العادل ثلاثية (موظف – مؤسسة – خدمة) ترتفع قيمتها وتتناسب طرديا معا..

ترتفع قيمة (الفرد – الموظف) بقدر ما يقدمه لمؤسسته، وترتفع قيمة المؤسسة بقدر كفاءة الأفراد فيها، وترتفع أيضا مسؤوليتها تجاههم، وينعكس هذا على جودة وقيمة الخدمة المقدمة!!، الكل فى النهاية راضٍ ومتفهم لدوره ومسؤوليته فى العلاقة!.

إنه النضج فى الحياة العملية، النضج الذى يتفهم فكرة (العدل) ويرسخها، فالمؤسسات ليست بالطبع مصالح خيرية مسؤوليتها إعالة أشخاص غير منتجين، والأفراد ليسوا مستعبدين ولا مطلوبا منهم أن يستمروا فى عمل لا يعود عليهم بعائد يسد احتياجاتهم المتزايدة، ولا المتعاملين مطلوب منهم الرضا بأقل مستوى من الجودة، لأن هذه هى طبيعة سوق العمل!!. الأصل فى الخدمات التنموية، بل وأفضلها على الإطلاق، هو «التمكين» أن تساعد إنسانا حتى يتطور، وتشاركه رحلة تنمية مهاراته حتى يصبح قادرا على العمل ومتفهما لواجباته فيه وحقوقه منه، التمكين هو العمل على الفرد من أجل رفع كفاءة منظومة ثم مؤسسة وبالتالى (وطن). التمكين هو واحد من المهام الرئيسية لمنظمات المجتمع المدنى التى لا يمكن إنكار فضلها ولا يمكن التغاضى عن احتياجنا لعودتها لكامل لياقتها بعد فترة طويلة من الأزمات تعرضت لها تلك المؤسسات واختلط فيها الحكم على المخلص والوطنى منها مع غيره من النماذج غير الأمينة.

التمكين أيضا تحتاجه المؤسسات والشركات والهيئات الحكومية من أجل تقدير عادل للأمور، توقعات منضبطة من العاملين والتزام بأجور عادلة للجميع. العدل ليس حلما ولا رفاهية.. العدل ميزان مريح للجميع.. العدل أساس الملك.

لقراءة المقال علي موقع المصري اليوم

Tags:
To Top
Contact

Get In Touch