صباح الأحد

يحتفل المسيحيون الشرقيون، اليوم، بعيد القيامة المجيد، وعلى مدار سنين حياتى كلها تربيت فى مصر، حيث كنت أرى بعينى الفرق الشديد فى التعامل الرسمى والشعبى مع المواطنين المصريين فى هذا العيد تحديدا، حساسية شديدة للتهنئة بهذا العيد، ليست ناتجة عن اختلاف العقيدة والمرجعيات الدينية فحسب، فبطبيعة الحال نهنئ (الآخر) الذى يحتفل بما (يؤمن هو)، مشاركة له ومحبة واحترامًا، هذا أمر بديهى فى العلاقات الإنسانية.

لكن ربما كان سبب الحساسية الأكبر هو مرجعيات متشددة قيدت المصريين وحرمت عليهم كل متع الحياة البسيطة وباعدت بينهم وحولت البشر الطبيعيين، الذين وهبهم الله كل فرص التعاون والنماء والسعادة، إلى مجموعة من المتربصين ببعضهم يفقدون القدرة على الاستمتاع بالحياة ببساطتها ويفقدون كثيرا من روعتها وفطرتها صاحبها مناخ سياسى عام كان يميل لتجنب المواجهة حتى فى أشد الأمور خطرا.

أتذكر تلك الحالة اليوم.. لأننى من هواة دراسة «المناخ العام»، المناخ العام الذى يهيئ للالتزام والإنجاز والتحضر، وأيضا يهذب السلوك الفردى للأشخاص، وهو أيضا إذا لم تتم تهيئته قادر على استحضار عكس هذه الأمور كلها.

البشر بطبيعتهم يميلون للانتماء والمشابهة، ويميلون لكونهم «طبيعيين» وسط مجتمعاتهم، فعندما يكون المناخ العام ملائما يعود الإنسان إلى فطرته السليمة.

هذا العام يبدو أن المناخ العام قد تغير، زالت الحساسية المريضة وتحولت إلى سلوك طبيعى بالرغبة فى الانفتاح على الآخر.. ومن يدرسون علم التواصل يعرفون أن «الانفتاح على الآخر» هو الخطوة الثانية فى سلم السلوك المجتمعى بعد الفهم العميق للذات.. المناخ العام صار مهيئا لأن نكون طبيعيين للمرة الأولى منذ أمد بعيد.

ويبدو أيضا أن الكورونا علمتنا كثيرا أنها لم تفرق بين ديانات ولا جنسيات ولا ثقافات ولا مستويات اجتماعية، يبدو أنها علمت البعض أن الأصل هو الإنسانية، فصارت النفوس أكثر تهذبا، وربما سأل الناس بعضهم عن مدى صغرنا أمام المجهول والآتى.

فعندما صرنا خطرا محتملا على بعضنا البعض (جسديا) انتبهنا كيف كنا خطرا محتملا على بعضنا البعض (إنسانيا) هل تهذبت أرواحنا بفضل الخطر..؟

هل إنسانيتنا كانت بحاجة إلى هذا القدر من التباعد؟.. أؤمن بأن الدروس تختصر إن فهمناها واستوعبناها بسرعة، ودرس التجربة الإنسانية المعقدة المسمى كورونا هو الدرس العام الأكبر منذ ما يزيد عن مائة عام فى تاريخ البشرية.

فقد كنا خطرا شديدا على بعضنا البعض بأحقاد وضغائن وحروب خفية، كنا خطرا على بعضنا بفرص منتزعة وحقوق مهدرة وظلم بين لأصحاب حق ضعفاء.. نعم كنا خطرا على بعضنا بحضورنا الجسدى، عل هذه المحنة التى نعيشها تهذب أرواحنا فنعود بعدها للحياة أكثر إنسانية وأكثر رحمة.

لقراءة المقال علي موقع المصري اليوم

Tags:
To Top
Contact

Get In Touch