فيروس العدالة الاجتماعية

ينشغل بأحلامه وخططه الخاصة، يخوض معاركه اليومية مع سخافات البشر، يشكو من ذاك الذى لم يلتزم بوعده، وهذا الذى يغالى فى الكذب… ثم يعود مساءً مصارعًا فى زحام المترو، يلقى بنفسه بين زحام البشر، ثم يتمنى ألا يصيبه الفيروس اللعين الذى يسمع عنه فى التليفزيون..!

يغوص بكامل طاقته فى اتفاقات وصفقات للمستقبل القريب والبعيد.. يراقب سعر الصرف ويتوقع المؤشرات العالمية، يجتهد لتعويض خسارته بسبب ذلك الفيروس اللعين… يفكر فى طريقة للحفاظ على مئات الموظفين وعدم تسريحهم رغم الأزمة… يردد بضيق: عاوزين الكابوس ده يعدى بقى ونعرف نشتغل…!

يعود كلاهما فى ذات المساء… يشعر الأول بتعب غير معتاد.. شعور بضعف عام حتى إنه لا يقدر حتى على حمل كوب الماء ليشرب حين سمع صوت الأذان…

هذا ليس تعب الصوم المعتاد، جسمه يرتعش.. وحرارته تبدأ فى الارتفاع.. أن يقف للصلاة كما تعوّد.. هو كل ما يريده الآن..لا شىء سوى ذلك!

يدخل الثانى بيته مسرعًا، فهو غير معتاد على العمل فى نهار رمضان وقد كان قبلًا يقلب اليوم رأسًا فينهى اتصالاته ومتابعاته لعمله فى المساء، لم يكن من مرتادى حفلات الإفطار أو السحور الصاخبة، هو فقط رجل عمل، يفكر دوما فى فرصة أو فى طريقة لإبقاء عجلة العمل تسير بنهجها الطبيعى وللبيوت المفتوحة فى مصانعه مصانة ومحفوظة… اليوم التعب كان شديدًا، ضيق حاد فى التنفس حتى إنه لا يقوى على مناداة أهل بيته.. لقد توقف عن شرب السجائر من قبل رمضان بشهر.. وتحسنت كثيرًا لياقته.. فماذا حدث.. نفس هواء طبيعى هو كل ما يريده الآن… لا شىء سوى ذلك!!!

هو فيروس لا يعرف الفروق فى الطبقات، لا يحميك منه حالتك الاجتماعية أو المادية.. لا يشفع لك كونك رجلًا مكافحًا، تسعى من أجل رزقك، ولا يحميك منه كونك رجل أعمال شريفًا.. بعض الفيروسات التى سبقته كانت سيئة السمعة، فكانت تصم أصحابها وتلقى عليهم الذنب إن أصيبوا..

جاء هذا الفيروس ليعيد ترتيب التعريفات الإنسانية المشوهة ويزيل الوصم والعار عن أصحابه، فرغم كونه فيروسًا شرسًا وغير نزيه

إلا أنه فيروس العدالة الاجتماعية بلا منازع!

لا يفرق بين غنى وفقير، ولا ينحاز لدول غنية، ولا تخيفه أقوى المنظومات الصحية فى العالم.. هو قادر على زحزحة كل ذلك من أساسه، وعلى إعادة ترتيب المشهد كل يوم..

يعيد ترتيب القوة.. فكلنا.. بلا استثناء.. بلا حول ولا قوة، لا قدراتنا ولا صلاحنا ولا خيرنا ولا كفاءتنا…

يُعيد ترتيب أولوياتك، فربك ثم أهلك ثم يعود كل ما سواهم إلى موقعه الطبيعى.

سيرحل هذا الوباء، لكنه سيغير معه كل شىء.. كل شىء!.

ابقَ آمنًا..

لقراءة المقال علي موقع المصري اليوم

Tags:
To Top
Contact

Get In Touch