يشغلنى كثيرا محاولة تفسير السلوكيات المكررة على نطاق واسع من البشر.. يسمونه (علم الاجتماع) أقرأ كثيرا وأرصد تغيراته من وجوه الناس ومظهرهم وطريقة كلامهم.. وكل تلك التفاصيل التى يراها البعض صغيرة أو غير مهمة.. إنما يراها العلم والمنطق أنها أصل الانتصار أو سبب الهزيمة لمجتمعات بأكملها.
شغلتنى جملة على لسان شخصية فى مسلسل العائلة للكاتب العظيم وحيد حامد.. وفى الحلقات التى يرصد فيها تغيرات المجتمع من بعد نكسة 67، حيث يقول موظف الجوازات بتهكم للبطل: «الورقة دى تبلها وتشرب ميتها»، البطل: «طب ماتقوللى الورقة دى ماتنفعش..!! ليه بتكلمنى كده؟!»، الموظف: «القافية تحكم»، البطل: «قصدك النكسة تحكم!!!».
هكذا وبغيره من المشاهد المهمة رصد الكاتب بعبقرية تغيرات الشخصية المصرية وثقافة المهزومين التى تسللت إلى حياتنا ببطء وثبات حتى تأصلت.. وتتابعت فى أجيال متعاقبة فأورثتنا العشوائية والجهل والصوت العالى ومحاولة التقليل من شأن الآخر بكل طريقة.
استمع إلى دعوات الناس وصلواتهم فى دور العبادة ستبهر من الروعة!! استمع إلى كلمات الناس وطريقتهم فى الشارع واقرأ تعليقاتهم على مواقع التواصل.. ستُصدم!!.
الحقيقة التى وصلت إليها.. أن ثمة ثقافة (سلوك حياة) يسلكه المهزوم لا إراديا.. يتلخص فى الصوت العالى.. وتحقير الآخر والتقليل كمحاولة لإخفاء شعور داخلى بالخزى والخجل من ذواتنا فى الأصل.. لكننا لا نعترف بذلك فنلقى بكل مخاوفنا وخزينا على الآخر.
سلوك المهزوم تتبعه حالة شديدة القوة من التشدد والمغالاة والتطرف فى كل شىء.. فى الدين وفى تقييم الأمور وفى الحكم على الأشياء.. فبعيدا عن التطرف الدينى الذى ليس خافيا على أحد أنه انتقل من مرحلة المظهر والملابس إلى مرحلة أفكار مسممة من تحقير الآخر والشماتة فيه والدعاء عليه بالفناء والأذى.. تطرف مرعب فى الكراهية التى بدون سبب.
لكنى أود أن أرصد لك تطرفا آخر فى تقييمنا للأشياء.. فشعورنا الدفين بالخزى وعدم الاستحقاق لأى شىء جميل.. يدفعنا حتى لتحقير نجاحاتنا العامة التى من الطبيعى أن نحتفى بها ونفرح بتحققها ونراقب استمرارها.. هذا هو الطبيعى والأفضل لسلامتنا وسعادتنا.. بينما نحن نميل بالأكثر إلى التقليل والتحقير من كل إنجاز للآخر حتى لو كان هذا الآخر وطنا يمثلنى.. وأرضا تسترنى.. اختلط لدينا النقد بالكراهية التى لا ترى فيك خيرا.. فتجتهد لإفشالك حتى يصبح فشلك نجاحا لنظريتها!.
جلد الذات حتى على مستوى الزيجات.. التى يرى فيها طرف أن شريكى هو الأسوأ على الإطلاق.. وأنا الأتعس حظا.. فأغمر شريكى بسيل من اتهامات التقصير والتحقير التى تنتهى غالبا بانفصال بلا أخلاق.
القصد أن أقول لك.. إننا بحاجة إلى قليل من الرحمة والرأفة بذواتنا.. بحاجة إلى التوقف عن جلد ذواتنا.. وجلد من حولنا تحت مظلة النقد وإبداء الرأى، نحتاج أن نهدأ قليلا ونفكر فى أن سبب الهزيمة كان أصلا لكل ما نشعر به!، هل هى هزائم شخصية، أم ثورة أضعناها، أم حلم لم يتحقق؟!!.
نحتاج أن نفكر من جديد.. فى طرق أخرى للنجاح غير تلك التى لم تورثنا سوى الهزيمة!!.