وحدها تبقى الجميلة دائما.. مهما تغيرت مفاهيمنا عن الجمال..
– «أبوكم هو من علمكم المبادئ».. هكذا تقول لنا دائما أمى.. دفاعا عن أى اتهام بالتقصير وجهناه يوما لأبى.. ولكن الحقيقة أن من علمنا المبادئ.. هى.
فلم أضبطها يوما تتحدث سلبا عن زوجها.. بالعكس كانت دائما تعظم قدره فى عيوننا.. للدرجة التى تجعلنا نصدق صورته التى ترسمها.. ونتجاوز بها إحباطاتنا كأطفال صغار!! فتعلمنا منها الاحترام.
نعم.. كان أبى يتحدث كثيرا عن الاهتمام بالآخرين.. لكن المثل هو (أمى).. أمى هى المرافق الأول.. وأحيانا الوحيد لكل مرضى العائلة، منذ طفولتنا نعرف ما إن يمرض فرد من العائلة إلا وتعيد أمى ترتيب ظروف حياتنا بما يتناسب مع التزامها الطويل مع المريض بحسب حالته.. ترافق كل مرضى العائلة تقريبا مرافقة يومية وتذهب فى خدمتهم إلى أبعد مدى الاهتمام برعايتهم، طعامهم، زيارات الأطباء معهم.. كل شىء!! بغض النظر عن درجة القرابة أو النسب.. أمى دائما موجودة للكل.. زيارات بعيدة وطويلة وأيام كثيرة محجوزة لالتزامها هذا الذى كثيرا ما لمناها عليه.. ولكن فهمنا بركاته حين كبرنا.. لم تتكلم.. لكنها فعلت!
وأمور أخرى كثيرة، سمعناها ولم نفهمها سوى عندما عاشتها أمى!
– فى بيت أمى.. دائما طعام لكل جائع.. ولم أفهم أبدا هذا السر العجيب القابع فى كيس نقود أمى.. كانت تمر على أسرتنا متوسطة الحال أيام صعبة.. لكن كيس نقود أمى لم يفرغ أبدا.. ولم تردنا يوما عنها محتاجين لشىء.. أبدا!
– لم تكن أمى فى طفولتى تقدم الصورة الكلاسيكية للتدين.. لكن الله كان حاضرا فى تعاملاتها للدرجة التى تدهشك! فالغرباء يمرون ببيت أمى للإطعام والإكرام حتى يومنا هذا.. أزور أمى فجأة فأجدها تتناول فطورها مع امرأة بسيطة تأكل معها من طبق واحد.. تقول لى: «سلمى على أم فلان.. بتيجى من بلدهم تبيع طيور ف القاهرة».
لم أضبط أمى يوما متلبسة بالانبهار بغنى أو كرامة.. بينما كانت دائما منحازة للبسطاء والمهمشين وتتعامل معهم ببساطة وندية وحب.. تفوق كل دروس الاتضاع ف الدنيا!!
– كيف يؤمن بك أحد.. إن لم تؤمن بك أمك؟!
تعلمت هذا فقط عندما أصبحت أماً.. إن إيمان الأم بأبنائها هو السند الأول لنجاح الأبناء فى تحقيق أحلامهم الكبيرة! وتعلمت أن أماً جاهلة من الممكن أن تقضى- أو على أقل تقدير- تعطل نجاح أبنائها.. إيمان الأم بأبنائها وأحلامهم، حتى وإن قلت المعطيات التى تجعل أحلامهم قابلة للتحقق، وإلا فكيف نسميه إيمانا، هو جزء من معجزة الأمومة.. فهو يجعل من الأشخاص العاديين أبطالا خارقين فى عيون أمهاتهم وفى نظر أنفسهم.. لهذا.. لا تحكى أحلامك سوى لقلب.. كقلب أمك.. مؤمن بك! فوحده فقط.. سيصدقك!
فى عيدها.. هى تستحق أن يحتفى بها المحظوظون بوجود أمهاتهم حولهم.. أعتقد أن أكبر تقدير يمكن أن نقدمه لهم هو ألا نجادلهم ونرهقهم بآرائنا المختلفة وألا نحرمهم من وقتنا مهما ضاقت وازدحمت جداولنا.
وأما من غابت عنهم الحلوة فى عيدها.. فإكرامها هو استمرار سيرتها.. فيكم.
فى عيدها.. فلنكرم الأمومة فى حياتنا.. حتى من لم يكونوا أمهاتنا بالجسد.. وكانوا لنا سندا وقدوة ومصدرا للأمان والإيمان بنا.
فى عيدها.. فليتأمل الأمهات منا ويراقبون طرقهم.. فإن انصلح حال الأم انصلحت أحوال الأمة!.