هكذا يرانا بعض المسؤولين.. (كتير قوى) للدرجة التى تجعلك عبئا عليه.. لا مسؤوليته! (كتير قوى) للدرجة التى تجعله يهمل المشاكل من كثرة تكرارها.. ويتناسى قيمة الفرد لأن (فيه غيره كتير!!!) ما حدث مجددا فى القطار.. هو جملة واحدة (منظومة متهالكة يديرها أشخاص غير مهتمين!!)، وهى حالة من البلادة خلفتها لنا ثقافة الزحام فى كل المجالات.
وخلفت لنا أيضا الجملة الحزينة (أجيبلكوا منين؟!! مفيش ميزانية!!!)، والحقيقة أن هذه هى الجملة الأكثر بؤسا التى أسمعها من أصحاب الكراسى.. فالفقر لم يكن أبدا ماديا.. إنما هو فقر الإرادة والمحاولة.. والاهتمام بالفرد الواحد!!.
نعم.. كثرنا.. وزادت مشاكلنا بشكل مرعب.. كثرنا عدديا وقلت كفاءتنا إنتاجيا.. كثرنا.. ولم ننمُ.. كثرنا وصغرنا فى عيون أنفسنا جدا.
ثقافة الكثرة التى خُدع بها المصريون لفترات طويلة من الزمن واعتقدوا فى فترات أن قوتهم فى كثرتهم.. حتى أفاقوا على زحام مرعب خالٍ من أى قوة ومن أى كفاءة ومن أى قدرة على المنافسة مع العالم الحقيقى!.
أفقنا لنجد هذا الزحام قد غيّر فى شخصيتنا المصرية وغيّر فى أخلاقنا وأفكارنا.. فأصبحت ثقافة الزحام هى السائدة.. وفقه الغابة، حيث يأكل القوى الضعيف، هو الأقرب للتنفيذ.. إلا من رحم ربى!.
تغيرت شخصية الناس بسبب الزحام والكثرة! فضاقت قدرتنا على الاحتمال.. ألم يحدث لك مؤخرا موقف بسيط لا يستعدى الضيق فتنفجر بعده غضبا؟ وكلمة صغيرة تقال.. لا تحتملها ولا تطيق سماعها؟
ألم تقرأ كيف قتلت بائعة الشاى ابنها لأنه طلب نقودا؟ ألم تقرأ كيف باع الرجل ابنته فى سوق النخاسة تحت اسم الزواج؟! ألم تقرأ عن الخيانة السهلة والخداع المباح والكذب الذى يتنفسه الناس كالهواء؟!!!
ألا تشعر كيف يتعامل الناس مع المختلفين شكلا أو لونا أو جنسا أو دينا.. يشعرونهم خطرا عليهم.. فينتقمون من جهالتهم فى سوء معاملة الآخر.. أى بؤس أكثر من هذا؟!
سؤال أخير وسأنهى تلك الفقرة القاتمة: ألم تعتد أنت شخصيا على مظاهر العنف هذه؟ هل تنتفض لسماع خبر أسرة تبيت فى الشارع أو طفل فُقد من ذويه أو سيدة تم التحرش بها! أو قطار يموت من فيه قبل أن يصلوا؟!!
للأسف لو كنت صادقا ستجد أن الكثرة والزحام تسللت إلى أرواحنا جميعا.. فلم نعد نتأثر وننتفض ونحارب كما كنا.. يخلق الزحام حالة أشبه بالاستسلام للوضع الحالى.
تستسلم للدوران فى نفس الدائرة وتكرار نفس الأخطاء، ويوما فيوما يفقدك الزحام بهجة الأشياء.. فتعتادها.. تعتاد كل شىء حتى السأم.. تعتاد القبح والموت والسلب والظلم!
فتموت تدريجيا.. قبل أن تصل!.
ليس هذا ما يريده أى منا لبلاده.. فإن أردنا الحياة سنحتاج أن ننفك من ثقافة الموت تلك.. وأن ندرك قيمة الحياة.. أن نهتم بالفرد الواحد.. أن نجتهد فيما يعلى قيمة الإنسان.. يحتاج قتلة الأحلام والبشر إلى بعض من خوف وكثير من ردع.. حتى لا تصبح حياتنا بهذه الصعوبة.. وموتنا بهذه السهولة!!!.