قَلّ الحديث والاهتمام أصلاً بالشأن العام.. وعادت الأمور إلى حد كبير إلى تلك الحالة ما بين الصمت والتغاضى عن السلبيات.. والهمجية فى الانتقاد إلى حد الإساءة والتجريح والتقليل من شأن كل شىء وكل إنجاز!.
وما بين الصمت والسلبية وبين النقد القاسى والإحساس الرهيب بالدونية الذى يسيطر على قطاع كبير من الناس، تضيع الحقيقة!!.
ففى صمتك أنانية تفضيل السلامة الشخصية على المواجهة الشريفة.. وفى الانتقاد بهمجية أنانية الظهور كبطل على حساب كرامة الناس..
الميزان الطبيعى للبشر ومقياس سلامتنا النفسية أحياناً هو أن النزاهة تقتضى أن تعترف بوجود إيجابيات حتى عند خصمك.. فما بالك بوطنك، الذى ترفض أحياناً رصد أو تصديق أن ثمة شيئا إيجابيا يحدث فيه.
والشرف يقتضى أن تراقب السلبيات وتناقشها وتحرص على ألا تتصالح معها ولا تمررها حتى ولو كانت لأصدقائك.
والتمييز ألا تخلط مصالحك الشخصية بأى من التقييمات والآراء، وأن تحافظ على نفسك من فخ النفاق ومن الشعور المرير بكره كل شىء لستَ جزءاً منه.
الحديث اليوم عن نزاهة وشرف وتمييز قد يبدو من الآمال البعيدة مادامت تُركت للمطلق، لكن دعنى أوضح لك تلك الصورة بالحديث عن منتدى شباب العالم نموذجاً.
لدينا مخزون قديم مبنى على جزء من خبرات وخيبات سابقة أننا لا نستطيع!. شعور دفين بأن الأمور الجيدة لا تحدث لنا.. وكلما سمعنا عن المنتدى- كونه من أنجح الفعاليات التى تُقام على أرض مصر فى السنوات الأخيرة- صرنا نستنكر على أنفسنا النجاح، وصرنا نسفه من قيمة منتدى عالمى يجمع شباباً من كل دول العالم تحت مظلة حوار وتبادل ثقافات حقيقى وغير مصطنع، وتبادلنا أسئلة استنكارية دون أن نرهق أنفسنا حتى بالبحث عن إجاباتها الحقيقية: لماذا كل هذه التكاليف؟ وما الفائدة من كل هذا؟ وما الذى سيتغير بعد المنتدى؟.
يقولها الغاضب دون أن ينتظر أى إجابة أو حتى يبدى استعداداً لسماع إجابة.
وحتى إن قدمتَ له «معلومات» عن كون التكاليف مغطاة بالكامل من الرعاة، وأن الفائدة أكبر من مجرد نتائج الجلسات، لكنها استعادة دورك الريادى وموقعك بين الأمم كمنصة كانت أصل الحضارة.. وإن قلتَ له إن شباباً ومؤثرين من العالم كله يأتونك ظانّين أنك لا تملك سوى الناقة والصحراء وينبهرون بلقاء الملهمين من أبناء هذا الوطن.
إنه مجرد مثال قد لا يسعنى المجال لتفنيده اليوم لكنه صورة لما ستلقاه خلال الأسابيع القادمة عندما تبدأ فعاليات المنتدى.. وقد يكون دليلاً لك لتمييز مواقع الناس وآرائهم.
وهى بالنسبة لى فرصة لأقول لك: إرفع راسك فوق شوية أرجوك!، إنت كبير وبلدك كبير!.
أهى فرصة.. للتمييز!.