قالت لى بغضب: «الدنيا حظوظ!!، لقد اجتهدت ودرست وعملت سنوات حتى أجد وظيفتى الحالية، ثم أتت هى فى يوم وليلة وتم تعيينها بنفس المكان بدون مؤهلات وبراتب أعلى منى!!!».
ثم رد عليها صديقنا: «ومين سمعك.. أحيانا أظل أطرق أبواباً لسنوات، وما إن تُفتح حتى أجدها سهلة جدا أمام غيرى.. ولم أفهم أبدا لماذا؟ لماذا يجب علىّ دائما بذل مجهود مضاعف؟!»
ضحكت فى صمت لأنه حالى أنا أيضا وكثيرين.. تحدث الأمور بكثير من الجهد وبصعوبة معظم الوقت.. بينما لا تفهم ما سر الحياة معك فى إصرارها على ذلك؟.. تحدثنا لما يزيد على نصف ساعة فى هذه الفكرة.. وتعجبنا لأن الموضوع بدا أكبر من ملاحظاتنا الصغيرة التى كنا نخفيها سرا فى صدورنا!!
ومن الملاحظ أيضا أن الحالة أحيانا ما تكون عامة.. فبلاد ترى أن بلادا أخرى أوفر حظا منها، ومجتمعات تتمنى لو تغيرت ظروفها قليلا لتصبح أسهل مثل ما يظنون أن غيرهم يعيشون بسهولة!
الحقيقة أن الحياة (الأسهل) هى حلم دفين لدى كثيرين من هؤلاء الذين يسعون بجد فى الحياة، هم لا يريدون (حياة سهلة) لكن دعنا نقل يريدون حياة أكثر سلاسة.. حياة فيها مقدمات ونتائج واضحة، زرع وحصاد بشكل مباشر.. ليرضى عقولهم دائمة التفكير، ويطمئن قلوبهم دائمة السؤال!!
لماذا تبدو الطرق الملتوية أسرع أحيانا؟ لماذا يبدو الطريق المستقيم موحشا وخاليا وطويلا؟!! لماذا تبدو الأيام غير عادلة؟!!!
أسئلة صعبة.. لا تتحمل التنظير.
لكن.. بقليل من التفكير وصلنا بعد أقل من نصف ساعة من الحديث، الذى بدا عميقا وحزينا فى بدايته.. ثم انتهى بشكر كبير وابتسامات سرور وغبطة على ألسنتنا جميعا.. وصلنا إلى تفسير يرضينا جميعا.. ربما يبدو مجهودك مضاعفا فى تلك الأشياء التى تظن أنك تريدها جدا.. وتحلم بها ليل نهار.. بينما تحدث فى هذه الأثناء أشياء أخرى أهم.. تحدث بكل سلاسة وسهولة حتى تكاد لا تشعر بها.. أحباؤك بخير، أنت لم تمرض منذ وقت طويل.. شريك حياتك يحبك ويخلص لك.. ابنتك فى الجامعة التى طالما حلمت بها.. لديك أصدقاء تضحك معهم.. تتنفس بسهولة وتتواصل مع أحبائك بحرية!!! وفى نهاية اليوم تستطيع أن ترفع عينيك للسماء شاكرا أو طالبا العون وأنت موقن أن هناك من يسمعك!!
حتى المجتمعات التى تعتقد أنها أقل حظا فى الموارد المادية أو الظروف الاقتصادية.. تجد أن الله منحها شمساً وهواءً مجانياً.. وظروفاً طبيعية مريحة تعينهم على تحمل الظروف القاسية، والعكس فى مجتمعات تبدو فيها الأمور منظمة ومنضبطة.. تنفق ساعات وأموالاً طائلة من أجل التأقلم مع قسوة الأجواء والكوارث الطبيعية!!
ما وصلنا إليه ليس اكتشافا جديدا.. ولا أريد أن أبدو أننى أقدم تبريرا لكون الحياة غير عادلة.. بل بالعكس.. وصلت إلى يقين أنها عادلة جدا.. ونحن من نختار كيف ننظر لها!
فليتعلم من يختارون الطريق الطويل المستقيم لتحقيق أحلامهم.. أنهم سينتظرون وقتا أطول.. ولكنه أقل تكلفة!
وليفهم من يختارون القفز فوق قوانين النجاح أنهم سيدفعون أثمانا غالية لم يكونوا يحسبون لها حسابا فيما بعد.
وليتنا نتعلم جميعا الاستمتاع بما لدينا.. فالوقت مقصر.. والحياة لديها لكل واحد كل أسباب السعادة.