لماذا يكرهوننا.. يا أمى؟!” هذا هو السؤال الأصعب الذى سألتنى إياه طفلتى هذا الأسبوع.
لطالما كانت أسئلتها بالنسبة لى.. أجراس إنذار!.. فهى بالنسبة لى كل الحاضر وكل الغد.. هى بالنسبة لى.. جيل بأكمله يحمل فى قلوب صغيرة أسئلة كبار.. أسئلة صعبة، ليس من السهل إجابتها.. وليس من الممكن أبدًا تجاهلها!
كان عندى فى هذا الوقت اختيارين لا ثالث لهما.
اختيار أن أجيبها من مخزون الغضب والتعصب والدموية السائد فى كثير من البيوت التى أفرخت لوطن بأكمله.. نفسيات مشوهة أقرب إلى الـ”زومبيز” الذين يعيشون بلا روح ويتحركون بأجساد مستعدة للفتك بالآخر فى أى لحظة.
وهو اختيار أن تقول لأطفال نفوسهم أنصع من نور الشمس وقلوبهم أكثر براءة من ندى الصباح.. تقول لهم: “الآخر يكرهنا، الآخر يرانا كفار، الآخر سيقتُلنا!”.. وهو رد يشوه نفوسهم الحلوة قبل أن يشوه الآخر!
واختيار أن تساعده على المرور من هذه المنطقة الخطرة إلى اكتشاف أوسع لا بد أن يعرفه عن الحياة.. عن الخير والشر، عن الجمال والقبح، عن ظلمة الجهل ونور المعرفة، أن نأخذهم إلى مناطق أكثر رحابة من تصنيف الآخرين ووصمهم بصفات لن تمحى من ذاكرة أطفالنا.
إنها مهمة صعبة فى أيام كهذه.. لكنها مهمة وطنية.. صدقونى.. أن تُقدم للوطن نفسًا سليمة بدون عقد وتصنيفات.. دون ارتياب وانغلاق.. هى منحة لأبنائنا وللوطن أيضًا.. فشفائهم من صدمة التفجير والتكفير.. يحتاج إلى مزيد من الحب ومزيد من الاحتضان.. ومزيد من الاتساع أيضًا.. فتوقفوا عن تصدير فكرة ما أجمل أن نموت لأجل الله “الاستشهاد” – رغم عظمتها – فهى ليست لكل الناس، وابدأوا فى غرس فكرة ما أجمل أن نحيا لأجل الله “الشهادة”.
قد تجاوبنى.. و”ماذا عن البيوت التى يتردد فيها أن الآخر كافر – لأننى لا أؤمن بما يؤمن به – الآخر يكرهنا.. الآخر فاسد ومنحل.. الآخر عدو الله.. الآخر نجس!”
فهذا ما يقال فى بعض البيوت وبعض دور العبادة!
أُجيبك.. تلك ليست بيوت.. تلك مصانع للكراهية.. ومصانع للأمراض النفسية.. تُنتج حبارة وشفيق ولا تنتج زويل ولا يعقوب.. فماذا تريدون أن تقدموا لهذه الحياة؟
لا يوجد من يكره بلا سبب.. لكن يوجد من تزرع داخله الكراهية.. فتنتزع منه إنسانيته شيئًا فشيئًا.. فيتحول أولاً لشخص منطوى ثم شخص غاضب ثم ناقم ثم كاره ثم مُنتقم!
أنا شخصيًا لم أعد أُصدق أن هناك أمل لإصلاح الكبار.. فصعب جدًا أن تقتلع قناعات وأفكار تأصلت واختبرت وعاشها الناس زمانًا طويلًا.. وبنفس القياس لا أصدق أن المؤسسات الدينية قادرة على تنقية نفسها بنفسها.. فما عشته وقرأته وعلمته.. هو ببساطة كل ما لدى من أدوات.. الأمر أصعب كثيرًا مما يبدو.
إنما لا أزال مؤمنة بألف طريقة تصلح لإنقاذ أجيال قادمة من قبح ما وصلنا إليه.. لأنها طريق مضمونة.. نظرية الزرع والحصاد.. ما تزرعه يداك اليوم تحصده يداك غدًا.
أُصدق أن الفن سيصنع جيلًا سويًا أو العكس.
أُصدق أن الإعلام سيصنع جيلًا سويًا أو العكس.
أُصدق أن البيوت المصرية ستُقدم جيلًا سويًا أو العكس.
فقط.. فليجتهد كل منا فى مكانه.. ونكف عن التنظير قليلًا.
