عاش جيلنا يقرأ- ونحن جيل عز من يقرأ فيه – عن نصر أكتوبر العظيم، عشنا نستمع إلى قصص الآباء وحكايات الأجداد ونكتب موضوعات التعبير والقصائد عن نصر لم نعشه لكننا أحببناه فى عيونهم.. وفى حماسة صوتهم وفى رغرغة عيونهم بالدموع حين تذكروا رفقاء دربهم ومن فقدوهم وكيف فقدوهم.
أحببنا انتصارا آمنوا به جميعا، ولم يختلفوا عليه ولم يتصارعوا لتقييمه..
نحن جيل أقل حظاً فى اختبارات الانتصار.. فحتى ثورتنا التى اتفقنا عليها والتففنا حولها مزقت وحوربت واستغلت حتى النهاية، وحتى ثورة الثلاثين من يونيو التى لم نعرف مثلها فى القوة وفى توحيد الصف.. ظل أعداء الحياة يزايدون عليها ويشككون فيها لسنوات، ولولا صمود مصر آنذاك لما استطعنا النجاة بها أمام العالم وتقديم وطننا للعالم كما يليق به..
نحن جيل صارت أعظم انتصاراته وظيفة جيدة أو شقة مناسبة وزواجا قبل سن الـ٣٥..
أحلامنا أكثر تواضعاً من آبائنا وانتصاراتنا صغيرة، لأن تحدياتنا اليومية تسرق الأحلام الكبيرة..
تحديات هذا الجيل غيّرت ملامحه.. فالمبادئ صارت وجهات نظر، والانتماء صار عملة صعبة فى زمان أصبحت جل أحلام الغالبية العظمى من الجيل هى وطن جديد ومكان آخر مستعدون لبذل شبابنا فيه والكفاح فى أرض أخرى هو الكفاح الشرعى بالنسبة لفئة كبيرة.. يهربون من كل شىء هنا.. مقابل قليل من التقدير والأمان.
أقول هذا لتقرير واقع جديد نختبره.. لكن أيضا لتذكير أنفسنا أولا أن هؤلاء الأبطال أنجبوا رجالا.
وأن الصورة الباهتة التى نراها يجب ألا تكون سوى حدث عارض فى تاريخنا..
علينا كل مرة نتذكر فيها انتصاراتنا الكبيرة أن نعيد تذكرة أنفسنا أننا أهل لها وأن بيننا رجالا مازالوا يصنعون انتصارات كبيرة لهذا الوطن ولأنفسهم.
أن نذكر أنفسنا.. أن انتشار القبح لا يعنى أن كلنا تشوهنا.. لكن بالضرورة يعنى أن كلنا مازلنا نحارب.. وأن الانتصارات حلوة وجديرة بالقتال فى سبيلها.