لو إنت قاعد فـ مدرجات الثوريين .. هتشوف البلد ضايعة وكل حاجة فـ انهيار، وإن الميدان وحشنا بقى وإن لازم نهد كل حاجة تانى ونبدأ مـ الأول.. وإن البرلمان خاين والحكومة فاشلة والنظام كله غلط! ولو إنت قاعد ف مدرجات المزايدين *(المزايدين : تصنيف واسع جدا ممكن تحط جواه الطمعانين العشمانين والخايفين المرعوبين والمخدوعين وبعض الإعلاميين!).. هتشوف إنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، وإن إحنا فـ المدينة الفاضلة وإن كل حاجة حصلت وبتحصل وهتحصل صح مقدما وعلى طول الخط.. والكلام ده رغم عدم واقعيته فـ أى حتة ف العالم إلا إن ده رأيك، وإن الحاجة الوحيدة اللى غلط هما اللى بيخالفوك فـ الرأى. ولو إنت قاعد بعيد شوية من المدرجات.. بعيد عن الحالة النفسية والعاطفية العنيفة اللى بتحطك فيها الجماهير المحيطة بيك واللى بتجبرك تبقى شبههم أو تجاريهم فى هتافاتهم.. بعيدا عن المدرجات وهتافات التشجيع أو التهليل.. تمارس حياتك العادية، فتذهب إلى عملك وتسير فى الشوارع المزدحمة وتتعامل مع مؤسسات حكومية تكافح حتى تتطور، وأشخاص عاديون لم يغيروا من أنفسهم ولم يتغيروا.. سترى تأثير أزمة الدولار فى كل شىء حولك حتى طبق الفول، وتناقش تعثرات حكومتك فى إدارة ملفات الصحة والتعليم والحريات دون أن تلقى اتهامات بالخيانة، وستسعد بمشروعات وإنجازات وبناء فى كل مكان وترى إيجابيات ونجاحات وستروج لها وتتحدث عنها ولن تكذبها أو تشكك فيها دون أن تتهم بالنفاق. فى الحياة العادية.. ترى الصورة بأكثر وضوح وتمارس حياة (المواطنين) المؤثرين والفاعلين فى المجتمع، الذين هم نفسهم آلية التغيير الحقيقية.. والسؤال الذى يطرح نفسه، لماذا لا نجد مكانا فـ الساحة يتسع لهؤلاء ولا منبرا يعبر عنهم؟ لماذا قسمنا أنفسنا وقسمنا إعلامنا إلى معسكرين لا ثالث لهما؟! مفتاح السر يبدأ وينتهى من الإعلام! -الأصل فـ الأمر أن يدخل التعليم كطرف فى معادلة صناعة الوعى العام- إنما لأن التعليم غائب من الساحة فهو خارج المعادلة أيضاً، فيبقى الوعى العام مسنودا على الإعلام بكل صوره وإشكاله المرئى والمسموع منها والإلكترونى على وجه التحديد. إن المتابع لما يدور ف الساحة سيجد أن الإعلام تحول إلى الشيطان الأكبر.. لا أحد يرضى عنه! لا المسؤولين ولا النواب ولا الناس ولا حتى السيد الرئيس الذى يراه مقصرا فى عرض الإيجابيات (وهو محق) فى ذلك. الوضع فى مصر الآن خطير ولا نستطيع أن نراه خارج هذا السياق بأى شكل من الأشكال، بعد قضية تيران و صنافير -أيًا كان موقفك منها – ازداد الخطر لا على الوطن وإنما على قادته.. فلا أحد فينا يرغب فى أن يتحول شعب بأكمله من مواطنين فاعلين إلى مجرد متفرجين من أى من الفريقين.. فكلاهما ضار جدا بالوطن. أتحدث الآن عن إعلام.. يدرك تلك اللحظة وذاك الخطر.. إعلام حرب.. حرب ضد سقوط الدولة وضياع الوطن لا حرب لأجل أشخاص ولا ضدهم.. أرجوكم انسوا غضبكم من بعض التصريحات غير الموفقة للقادة، انسوا غضبكم من الأداء المريب للبرلمان.. انسوا هذا الوزير وتلك الوزيرة وتصريحاتهم المضحكة المبكية. الإعلام فى أوقات الأزمات الفاصلة مثل التى نمر بها يرفع راية الطوارئ ويتولى القيادة، من يبنى وعيا جديدا ومن يحفظ الروح المعنوية للمواطنين ويقدم صورة واضحة حقيقية مستنيرة للواقع وتحدياته، لا تغرق فى شخصنة الخصومة ولا إسفاف النفاق، يبقى أن أعيد للمرة الألف أن إعلامنا الحالى متخبط، وإعلاميونا يقدمون كل بحسب ما يرى وبحسب ما يسمح له من سقف الحريات وبحسب ما تقوده إليه ميزانيات الإعلانات. أختم مقالى بأن أسوق لكم مثلا شخصيا يعانى منه الكثيرون من العاملين فى بلاط الإعلام، تحمل على كتفك مشروعا إعلاميا تنويريا، يحمل خطة واضحة لصناعة الوعى ومنابر عصرية لمخاطبة الناس، تخاطب صناع الإعلام الكبار، يتحمسون للفكرة لكنهم لا يجرؤون على تنفيذها، فيبقى التطوير فـ الإعلام مجرد مشروعات متناثرة هنا وهناك، ويبقى العمل فى الإعلام اجتهادا وتجربة حتى يومنا هذا. يبقى أن أذكرك، قارئ هذه السطور أن دولًا عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية قدمت لمواطنيها الأخلاقيات العامة للحياة فى صورة نماذج إعلامية فقادت سلوك الناس سلبا وإيجابا، وقدمت نفسها للعالم فى صورة الأقوى.. فكانت. لا نتحدث عن إعلام موجه لئلا يساء فهم ما أرنو إليه.. ولكنى أتحدث عن إعلام مهدف، يعرف أين يقف وإلى أين يريد أن يذهب، فى أوقات مثل هذه كل منا من موقعه يجب أن يكون هو نفسه آلية للإنقاذ وإلا فليصمت.