فى كل عام يأتى رمضان محملا ببهجة لا توصف، ومشاعر متزاحمة من الذكريات، والارتباط بشخوص ومظاهر احتفالية ودينية ممزوجة بالمصرية الخالصة.
رمضان فى مصر غير أى مكان آخر فى العالم، رمضان مصر هو البهجة وهو العيد الممتد لثلاثين يوما لا يملها المصريون بكل أطيافهم.
إلى جانب الأمور العامة التى تهم الجميع، هناك تفاصيل خاصة مرتبة برمضان تخص كل واحد فينا، تفاصيل تخص البهجة الخاصة التى كان يحملها طبق السمبوسك الذى تعده طنط زيزى جارة أمى وضحكة أمى حين ترسل طبق الشوربة الى بيتها.
أمور لم أعتد الحديث عنها لسببين: الأول أننى كنت أراها أمورا طبيعية لا تقع فى حساب النوادر التى يجب أن تحكى، إنها من مبهجات الحياة البسيطة التى لا نحكيها غالبا تماما كضحكة طفل أو دعوة خالصة من رجل مسن أو حضن أم.
والسبب الثانى أننى كغيرى من أبناء جيلى صرنا نرى الحديث عن العلاقة بين الشيخ والقس وتصويرهما سويا فى المناسبات من الأمور التى ابتذلت واستهلكت من تكرارها الذى صار بلا معنى حقيقى يقدم لنا على الأرض وفى مفردات الحياة، فصار لسان حالنا: اتركوا علاقتنا سويا لنا فهذا شأننا ولا تحاولوا أن تقدموا أنفسكم دليلا على صلاح العلاقة، فنحن بخير أكثر كثيرا مما تظنون.. أصلحوا أنتم الجزء الذى يخصكم من سلامة الرسالة ودقة الخطاب واتركوا لنا الحب فنحن لا نتصنعه ولا نريده معلبا جاهزا كما تقدمونه. علاقتى بـ(طنط زيزى) جارتنا فى بيت أمى هى علاقة البيت المفتوح والقصص المشتركة، أعود فأجد أمى تساعد ابنها- الذى صار رجلا الآن- فى درس اللغة الإنجليزية فقد كانت أمى مدرسة العمارة كلها!، وأشم رائحة السمبوسك عند طنط زيزى فتحضر لى طبقا لأتأكد لها من ضبط الملح قبل موعد الأذان. تستعد طنط زيزى لخطبة ابنتها فيتحول بيت أمى إلى صالة (الأوبن بوفيه).. أستعد أنا للزواج فتنشغل طنط زيزى بتفاصيل المشتريات تماما كما فعلت أمى.. قصص كثيرة كللها حب وتلقائية.. لكن هذا اليوم لن أنساه ما حييت.. كانت ليلة عيد الميلاد من بضعة أعوام- وقت انتشار التفجيرات الغادرة بالكنائس- وكالعادة كنا نعود بعد الكنيسة إلى بيت أمى فنجد طنط زيزى تساعد أمى فى إعداد «الفتة» أو تسوية المكرونة أو أى شىء بطعم الحب.
إلا هذه الليلة عدنا لنجد أمى مخلصة فى إعداد الطعام وحدها وطنط زيزى واقفة فى ظهر الباب تقريبا.. وما إن وصلنا حتى انفجرت فى البكاء واحتضنتنى بشدة وقالت «كنت خايفة عليكوا النهارده قوى».. كانت خائفة علينا مما نخاف كلنا على مصر منه.. الكراهية! العنف! الزيف!.. منذ ذلك اليوم.. صار كل عيد وكل رمضان بالنسبة لى مناسبة أقوى للتمسك بالأصل والرغبة فى رد كل زيف قد يحيط بجلال المناسبة وينتقص منها.. أحيوا أنفسكم بالحقيقيين الذين يتمنون لكم الخيرويحملون لكم الحب.
كل عام وأنت بخير طنط زيزى (زينب) الغالية، وكل الأصليين «الغاليين» من أبناء هذا الوطن الحبيب.. رمضانكم عيد.