أدرك أن هذا الرأى فى خلفيته محاولة لرفض فكرة الإعدام نفسها، وينادى أصحابها بمبادئ تبدو مثالية: «كيف تقتلون مثلهم؟»، إلغاء تلك العقوبة نفسها!
لكن الحقيقة أنه حتى تلك الفكرة، التى تبدو مثالية، مخيفة إذا طبقتها على الإرهابيين القتلة ونسيتها فى مواقف أخرى.. مرعب جداً أن يقودك اختلافك مع وطنك إلى موقف واحد مع أعدائه!! والمخيف أكثر أن ترى فى ذلك مثالية!
دعنا نفكر سوياً فى كيف وصلنا إلى هنا..
هناك نوعان من الوعى، «الوعى الخاص»، تشكله الظروف الاجتماعية أولاً، والتربية ثانياً، والقيم الدينية والثوابت الخاصة بالمرجعيات الدينية..! ووعى آخر هو «الوعى العام»، وعلماء الاجتماع يسمونه «الوعى الجمعى»، الذى يحدده كود المبادئ التى عاش فيها الفرد، قوة القانون ونظرته له، الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع..
ويمكن بسهولة أن تلاحظ آفة قاتلة فى المجتمعات التى تعانى أزمات فى الوعى العام! ففى مجتمعات تعرض فيها الوعى العام لاستقطاب شديد بين طرفين شديدى التناقض، وعانت من تخبط لسنوات فى مفهوم العدالة ومفهوم القانون وسيادته.. تلاحظ بسهولة أن تحديد المخطئ والمجرم فى حق المجتمع أمر نسبى وشديد التعقيد.. بينما فى مجتمعات أخرى الأمور محسومة وواضحة ولا فرصة للاختلاف حولها.. لأنها أمور مستقرة فى الوعى العام!!
فى مجتمعات عانت كثيراً من إفلات ممكن من العقاب وصور ناجحة لفاسدين، تتشوه القدرة على الحكم بالطبع، لكن لا يمكن أبداً أن نتصور أن تتشوه أحكامنا لدرجة الخلط بين الشهداء والقتلة ووضعهم جنباً إلى جنب فى صورة واحدة!! هذا أمر مرعب ومخيف.. نعم نحن نعانى أزمات فى الوعى العام.. نعم لقد فشل إعلامنا بكل رموزه وتاريخه وقوته الناعمة فى خلق وعى عام يؤمن بقيم متقاربة ويخوض حروباً فى صف واحد ولو اختلفت الطرق..
شاهدت بالأمس للمرة العشرين تقريباً فيلم «يوم الاستقلال» الأمريكى، وقرأت بدهشة مثل المرة الأولى تلك الرسائل الكثيرة التى يقدمها هذا الفيلم، والتى استقرت فى الوعى العام للمجتمع الأمريكى منذ سنوات.. يصدق الأمريكيون فى أن أمريكا هى مَن تنقذ العالم، وفى أن الأبطال هم صناعة أمريكية، وفى أن ما تنجح فيه بلادهم يصبح دستوراً للآخرين..
ما أتمنى رؤيته فى بلادى هو ثقة منّا فى أوطاننا، واستعادة الثقة فى مفهوم العدالة، ووعى عام بمَن هم أعداؤنا وما هى حربنا.. بدلاً من كل هذا التخبط الذى يجعلنا لا نرى عاراً فى أن نضع صورة الشهداء جنباً إلى جنب مع القتلة!!.