اليوم قالت لى ابنتى الصغيرة: «مصر بقت حلوة قوى يا ماما»، سألتها عن السبب، فأجابت: لقيت البوليس- تقصد عسكرى المرور- بيعدِّى الناس فى الشارع.
فرحت ابنتى واختبرت مشاعر «الانتماء» بسبب موقف بسيط كهذا، وتخبطت مشاعرى ما بين فرح وبهجة وشعور بأننى فى نفس اليوم الذى كنت أتناقش فيه مع زملائى عن روعة الشعور بالانتماء لوطن يكرم رموزه، ويحاسب فاسديه، ويبنى مشروعاته، ويُقيِّم أداء القائمين عليها، فى نفس اليوم الذى كنت أناقش زملائى وأقول: «صارت عندنا دولة!». تستطيع أن تقول ما شئت من ملاحظات، وتختلف ما شئت فى تفاصيل الإدارة وتقييم الأولويات، لكننا صرنا متفقين إلى حد كبير أننا صارت عندنا دولة واضحة المعالم.. وفى نفس اليوم، أحتفل بأن ابنتى صار عندها «وطن» تتعلم كل يوم كيف تحبه.. وترى فيه مكانًا يسع أحلامها للأمان وللشعور بالانتماء، فالشعور بالانتماء ليس كما تروّجه الأغانى الوطنية بالمناسبة، وليس كما نعتقد نحن أنه شعور (إجبارى) مفروض عليك، مادمت وُلدت على هذه البقعة من الأرض، فالطبيعى أن تنتمى.. هذا إغراق فى المثالية، فالانتماء شعور يُزرع فى الإنسان سواء بما سمعتَه عن وطنك كسرد التاريخ ودراسته، والأهم بما رأيتَه وعشتَه واختبرتَه فى وطنك كل يوم، خاصة فى سنوات حياتك الأولى فى هذا الوطن. خوفى وتحسُّبى الشديد على الأجيال القادمة من الأطفال، الذين يعيشون ويختبرون العالم الواسع حتى قبل أن يتعلموا شيئًا عن حدود أوطانهم.. فالمواطن العالمى أو الـglobal citizen هو المكون الأساسى للعالم الجديد.. فكيف سنزرع انتماء غير مبنى فقط على الحكايات القديمة ولا الأغنيات الوطنية..
الانتماء الذى يختبره الناس، فى فرص عادلة، وخدمات تحترم إنسانيتهم، وإعلام يحترم اهتماماتهم، وشفافية تحترم عقولهم، وتداول معلومات يحترم حريتهم.. الانتماء صناعة محلية تصنعها الأوطان التى تدرك حجم الخطر إن فقدناه، وتُعْليها الأوطان التى تدرك تحدى الأجيال القادمة، وتستثمرها الأوطان الواعية لقيمة الفرد الواحد.. اليوم أنا سعيدة ومُمْتَنّة لكل مَن جعلنا نشعر أنه صار عندنا وطن.