صباحًا أزور المستقبل.. ومساءً أراجع التاريخ |بقلم دينا عبد الكريم

–هذا ملخص يومى بالفرافره واسمحو لى أن أشرككم فيه فى سطور قليلة.. لأنه أنار داخلى حقيقة وانحيازا جديدا لم أعهده بهذه القوة..

تعلمت من سنوات الثورة الكبرى – بالنسبة لجيلنا – ثورة 25 يناير، أن أرى الحياة بكل ألوانها وأتلمس طريقا بعيدا عن أولئك الذين يرون الحياة بياضا ناصعا أو سوادا قاتما.. أيقنت من كل ما حدث لنا.. أن الأمور ليست كما تبدو أبدا.. وأن ثمة مساحة واسعة مبهجة مليئة بالألوان وسط كل قتامة.. وأيضا أن اليوتوبيا والمثالية التى يتخيلها بعضنا ليست إلا أسطورة كتبها توماس مور عام 1516، ولم توجد أبدا ولن توجد..

أعود للألوان.. الحياة ملونة جدا وهذا سر روعتها..

بدأ يومى مبكرا بزيارة إلى الفرافره لحضور موسم الحصاد الأول.. ذهبت كالجميع مترقبة للاكتشاف متوجسة من إمكانية اكتمال الحلم.. ألقى أسئلة من السعادة وعدم التصديق فى نفس الوقت.. هل هذه البيوت الرائعة حقيقية؟ كم يحتاج الفلاح من المال ليسكنها؟ كيف سنضمن ألا يعود لازدحام المدينة وتضيع روعة القرية الجديدة؟ هل هناك خدمات؟ مدارس، حضانات، وحدة صحية؟ كيف سيروى زرعه وكيف سيربى ماشيته؟.

ما تلقيته كان أكثر من مجرد إجابات.. كان واقعا موجودا بالفعل وتفاصيلا مبهجة كثيرة تقول لى إن ما نفكر فيه تم بالفعل، ماعلى الفلاح الآن سوى أن يأتى ويزرع ويعيش.. تصورت الفرافرة قريبا – إن اكتملت تلك الرؤية – ملاذا لكل من سأم الزحام والصراع، إنه ملاذ رائع وكريم.

الفرافرة هى الظهير الصحراوى الغربى لمصر، الفرافرة واحة مليئة بالمياه الجوفية، جوها جميل.. وموقعها خطير استراتيجيا وسياسيا.. فامتداد العمران حزام أمان ضد الزحف الإرهابى لصحارينا، هكذا يفكر القادة وهكذا يخططون لحدودنا الغربية وحدودنا الشرقية، خصوصا سيناء.

وعدت من يوم طويل متعبة، يملؤنى الحماس، لكن مازال أمامى واجب آخر.. إنه موسم الامتحانات ولدى الكثير من التاريخ لمراجعته مع ابنتى.. فرحت بالمصادفة، صباحًا كنت أزور المستقبل ومساء أراجع التاريخ.. شعور كبير بالانتماء والفخر، لم يكن يعجبنى من قبل أن أقرأ التاريخ معها ولا أجد ما أقوله لها عن المستقبل.. اليوم وجدت الكثير لأقوله، وجعلتها تشاهد الصور والفيديوهات، وشجعتنى لمعة عينيها بالإعجاب وكأنى أراها لأول مرة تختبر الانتماء بشكل جديد، قرأنا تاريخ الثورات الحديثة من 1952 وحتى 2011، لم يعجبها من قبل كثرة الحديث عن ثورات، قالت لى ملاحظة ذكية: “كل مرة ثورة يا مامى علشان نفس الأسباب!!”، اكتشفت أننا نثور فعلا من أيام الاستعمار لأجل نفس الأسباب مع اختلاف المسميات.. نثور لأجل الخبز “عيش” والحرية “من المستعمر والمستبد” والمساواة “العدالة الاجتماعية”.. إنها محقة!! تاريخنا متشابه إلى حد الضجر.

لذا عدت لأستثمر حماسها بالمستقبل، وقرأنا درسا عن نصر أكتوبر وشاهدنا فيديوهات لحرب أكتوبر، وسمعت معى أغانى النصر ولمعت عيناها من جديد بالفخر، كم هو رائع أن نحكى لأبنائنا أننا انتصرنا وأنه ما زال بإمكاننا أن ننتصر!! شعرت بمدى الظلم الذى يقع عليهم حينما لا يصل إلى طفولتهم سوى أخبار الخلافات والاحتجاجات ولا ترى أعينهم سوى صور لهزائم وصراعات، من حقهم علينا أن يكون لبلادهم مستقبل، وأن يكون لديهم أمل، وهذا ما يهديه لنا كل مشروع وكل حلم وكل إنجاز، فسلام لمن حلموا ومن سهروا ومن يجتهدون ليهدوا أبناءنا مستقبلا.

لقد غير هذا اليوم كثيرا من أفكارى.. سأختار أن أترك الحياد لبعض الوقت وسأنحاز للأمل، مع كامل إدراكى لأن الواقع مازال صعبا والطريق مازال طويلا، لقد حملتنى حبة القمح التى أحضرتها فى حقيبتى من الفرافرة ولمعة عيون ابنتى بحكايات النصر أمانة غالية، سأحرص على أن أصونها، انحيازا للأمل واحتراما لكل محاولة وتقديرا لكل نجاح، انحيازا واعيا لا ينسينا أن نمضى فى معركتنا ضد الفساد والاستهانة بكرامة الناس وضد الإخفاقات المبعثرة، التى قد تقتل فينا الأمل وتسرق اللمعة من عيون أبنائنا.

حاربوا الفساد.. وانحازوا للأمل.

Tags:
To Top
Contact

Get In Touch