جلست فى إحدى المقاهى الأنيقة التى اعتدنا لقاء الأصدقاء فيها، واعتدنا التعليق بسخرية على سوء الخدمة من حيث ارتفاع السعر مقارنة بجودة المشروبات أو المأكولات المقدمة.
كل شىء حولك يبدو مزيفًا ما عدا ضحكات أولئك الذين نحبهم ونسعد بصحبتهم فننسى أمورا أخرى تفور الدم!
كنت أتحدث مع الفتاة المسؤولة عن الخدمة “كالعادة” عن ضرورة أن يكون صوتها واضحًا وأن تتأكد من الطلب قبل تقديمه وأن تبتسم قليلا، حتى فاجأنى أحد الأصدقاء أننى أصبحت “خلقى ضيق” وأركز بزيادة قائلا “ما تعديها”!
اكتشفت فعلا أن رد فعلى تجاه الخدمات الرديئة أو من يقوم بعمله برداءة قد نكون اعتدناها قد أصبح أكثر عنفًا من ذى قبل! وأعتقد أنى لست وحدى!
لم تعد الحياة تحتمل مثل هذا الأداء! لم يعد الوطن يحتمل أن نصمت على رداءة وكسل وتهاون وجشع واستغلال.. أصبحت أشعر أن رفضنا لكل خدمة سيئة، وإصرارنا أمام كل موظف كسول جشع لا يؤدى عمله أن نحصل على خدمتنا كاملة بدون تعطيل وبدون تضليل هو واجب وطنى قبل أن يكون مبادرة فردية.
لهذا رأيت فى هذه الشابة مريم نموذجًا يستحق ألا ننشغل عنه وألا ننساه.. مريم وقفت أمام أهم مصدر إزعاج فى مصر “الفساد”! وقفت وحدها أمام الكبار.
هذه الشابة تذكرنى بـ روزا باركس، تلك المرأة التى اعتبرت أيقونة فى التاريخ الأمريكى، حتى أن أحد مرشحى الرئاسة عندما سئُل عن المرأة التى يحب أن يضع صورتها على الدولار أجاب “روزا باركس”.
تلك المرأة كانت غاضبة من التمييز العنصرى ضد الأمريكان الأفارقة، ثم عبرت عن غضبها عندما رفضت التخلى عن مقعدها فى باص عمومى لشخص أبيض، عاصية بذلك أوامر سائق الباص، فأطلق ذلك حركة مقاطعة الباصات فى مونتجمرى، والتى شكلت بداية عملية إلغاء التمييز العنصرى الذى كان سائداً فى ذلك الوقت، لتكون أحد أهم الأحداث فى تاريخ الأمريكان الأفارقة.
أتعرفوا مريم أهدتنا تلك الفرصة، أن يصبح لدينا أيقونة جديدة لرفض الفساد والوقوف بثبات أمام جبروته.
مريم أهدت وزارة التربية والتعليم فرصة ذهبية للتطهير، فيا ليتها لم تضيعها!
مريم أهدت الرئيس فرصة عظيمة ليصبح فى صف الشعب الذى يريد لهذا الفساد أن يتغير، فالوحوش والحيتان القديمة تعرقله شخصيًا عن التغيير، كم مرة شكونا أن الرئيس يعمل وحده، وأن إرادة التطهير ليست موجودة لدى الكل. مريم أعطتنا جميعا الفرصة.
أعطتنا الفرصة أن نقف ثابتين أمام كل من يسلب أو يتهاون أو يظلم!
مريم أصبحت أيقونة لكثيرين، سواء أنصفناها أو لم ننصفها، لم تعد درجات مريم هى الأهم الآن، إنما الفرق بين بلاد أنصفت أمثال مريم وبين بلادنا سيظل هو الأمر الذى نبكى عليه ونحارب لأجله.
فعلمينا يا مريم. وليعلمنا كل الشجعان كيف نحب بلادنا حبا من نوع آخر .علمونا أن صلاح الحال هو صلاحنا وأن فينا كل التغيير الذى نريده.
