أكثر ما يهمنى فى أى حوار أجريه مع مسؤول أو صاحب عمل من أولئك الذين نعتبرهم مؤثرين فى الاقتصاد أو فى إدارة الحكومة هو ما يقولونه بعيدا عن الكاميرات.. فدائما هناك حس إعلامى لدى الكثيرين مأخوذ من حكمة أن «ليس كل ما يُعرف يُقال»، هذا الحس الذى أحترمه جدا.. لكن أجد أن غيرة صحفية ما تؤرقنى منذ فترة للمشاركة ببعض مما لا يقال على الملأ.. بحكم المنصب الإدارى فى الدولة وبحكم المسؤولية الاجتماعية لأصحابه وأن أعفى قائليه من أى حرج.. وأحتفظ بحقى فى عدم ذكر المصادر!.
– الجملة الأكثر تكرارا فى ما لا يُقال، خصوصا من أصحاب المناصب الإدارية فى الدولة ممن كان لهم تاريخ طويل وناجح فى مؤسسات خاصة.. تتوقع معه أنهم إذا تولوا منصبا حكوميا سيغيرون وجه العمل بمؤسساتهم.. هى الجملة الاستنكارية عن عدد الموظفين المهول فى الجهاز الإدارى للمؤسسة، والذى يقابله نقص حاد فى الكفاءات الصالحة لتحقيق الخطط الجديدة أو المرجوة، ثم أبادر أنا بالسؤال الذى أكرره كثيرا: وكم موظفا تحتاج فعليا؟ يجيب المسؤول بسرعة وكأنه حسب تلك الحسبة مئات المرات فى عقله: أحتاج حوالى 300- 500 موظف على أقصى تقدير!!، والباقى..؟ لا أعرف لماذا تم تعيينه فى هذا المكان، وليست لدىّ سلطة الاستغناء عن غير المناسبين.. وهذا الحوار مع اختلاف الأرقام يتكرر تقريبا مع معظم مسؤولى الدولة!!.
ينتهى بإحدى الجملتين، إما جملة: «مضطر أشتغل بالموجود»، أو جملة: «عندنا تحدى التركيز مع الأفضل ومحاولة رفع كفاءته قدر الإمكان، لكن هذا يستهلك الكثير من الوقت والجهد!!».
دعك من المسؤولين.. فضفض أثناء جلوسك على القهوة مع شخص يعمل بالحكومة واسأله: كم موظفا فى هيئتك؟ كم يحضر؟ كم يعمل؟ كم فردا منهم راضٍ عما يعمله ويطمح لفرص عادلة للترقى والنمو وزيادة الدخل؟ ستسمع الإجابات التى تتوقعها.. نعم موظفو الدولة المصرية ثروة كامنة قد أسىء استغلالها.. ونصفهم لا يناسبون الثورة التكنولوجية الهائلة التى حدثت بالعالم، ولا يعرفون عنها شيئا، وغير قادرين على الاندماج فيها.. هذه حقائق لا ينبغى تزييفها.. ولا ينبغى الاستسلام لها!!!.
سؤالى اليوم- حتى لا يبدو أننى أزيح المسؤولية عن أصحابها- هناك مسؤولون فوق أولئك المسؤولين. يدركون أن الحلول ليست فى تغيير الوزير أو المسؤول ثم الانتظار بضعة شهور أو سنوات.. فنراه يفشل أو يقدم أقل مما توقعنا منه.. فنغيره!.
هناك حجر عثرة كبير.. اعتقدنا أن قانون الخدمة المدنية سيجعلنا نعبره ونتجاوزه.. لكن يبدو أن المشكلة أكبر من هذا القانون!!. هناك حراك ثورى كبير فى النظام الإدارى للدولة.. لم يحدث بعد!، مازلنا نمول من ضرائبنا مليارات لموظفين لا يقدمون لنا خدمات!، ونطرد آلاف الكفاءات التى تهاجر يأسا من إصلاح بطىء لن يحدث ولو أتينا بأعظم الكفاءات الإدارية فى العالم.. لأننا سنسلمه هذا النظام العتيق ونطلب منه فى النهاية أن يقدم إصلاحا سريعا وملموسا!!
الذين يدركون هذا العوار فى النظام ويتجاهلونه! كأنما يختارون لنا أن ننتظر عشرين عاما حتى تخرج مدام روتين على المعاش!، لكن نوافق أن يهاجر اليوم الأستاذ أمل بلا عودة.. اللهم إلا أن يزورنا كل 10 سنوات ليخبرنا بأن علينا التخلص من مدام روتين!!!.