هل انتهيتم من «خناقة كل عام؟!»، تلك التى تبدأ من منتصف يناير وتنتهى إلى «لا شىء»، خناقة هل كانت «يناير» ثورة أم مؤامرة، هل 25 يناير عيد للشرطة أم ذكرى للثورة، ناهيك عن محاولات التوقيع فى كشف الحضور فى أى من الفريقين .
صبيحة يوم 26 يناير، حيث يعود كل شىء إلى طبيعته.. ويعود الناس يستيقظون كل صباح باحثين عن خبر جديد يسعدهم أو تغيير قريب يمس حياتهم اليومية، ثم ينطلقون إلى الشوارع بحثًا عن رزقهم ورزق أولادهم، وفور وجودك فى الشارع وتعاملك مع الطرق والمصالح الحكومية والزحام والتفاصيل اليومية الكثيرة، تختفى قيمة رأيك، الذى شاركتَ به بالأمس على «فيس بوك»، «أيًا كان رأيك!»، وتعود قيمتك إلى موقعها الطبيعى، متمثلة فيما تقدمه حقًا لهذا الوطن.. فإن كنت تقدم نموذجًا لهذا النبل الذى تحدثت عنه «يناير»، وأجندتك السياسية خالية من أى تعاون مع أى طرف يريد النَّيْل من مصر والإيقاع بها كلما همت واستقامت الأمور فيها.. فهنيئًا لك برأيك عن الثورة، ومن حقك تمامًا أن تحتفل بها وبذكرياتك الحلوة فيها.. وإن كان موقعك يتطلب منك بذل نفسك وجهدك، بل دمك أحيانًا، من أجل الوطن وسلامة أهله.. تفعل ذلك فى صمت كل يوم دون ضجيج ودون تعالٍ ودون مزايدة، فأنت حتمًا لستَ بحاجة لإثبات أى شىء لأحد، وأنت حتمًا واحد من هؤلاء الأبطال، الذين لا يليق بنا أبدًا أن نحاول محو إنجازاتهم وطمس حقهم فى يوم عيدهم.. فشكرًا لك ولكم هذا العام وفى كل عام!
بين هاتين الفئتين الأصيلتين، يسكن الكثير من الخبل والمزايدة والجهل، فكيف يمكن لعاقل أن يمحو جزءًا من تاريخ وطنه، حتى إن كان هذا الجزء جزءًا قاسيًا وباهظ التكلفة والثمن على جميع الأطراف، لكنه سيبقى كاشفًا لكل خائن وكل خسيس، وأيضًا هو جزء من صناعة ما وصلنا إليه اليوم، فواقعنا الذى نراه اليوم هو صنيعة كل يوم فى تاريخنا بحلوه ومره.. فلنتوقف عن تصدير الجهل ولعبة المزايدة، التى صارت هواية التافهين فى كل عام.. فأوجاع الأوطان وأفراحها تمامًا كأوجاع البشر، هى جزء من تكويننا، وهى التى تصنع ما نحن عليه اليوم.. يليق بمصر فى صباح يوم 26 يناير كثير من النضج والاحترام والأكثر من العمل وتلمُّس الطريق إلى المستقبل.