ملناش امان بقلم دينا عبد الكريم—(-انتوا إزاى عايشين كده؟!!” سؤال ستقابله كثيرا فى حياتك طالما أنت مواطن مصرى يعيش فى مصر، أنت يا صديقى تعيش فى تفاصيل يومية يعجز الخيال عن تصورها.
أنت تستيقظ على أخبارانفجارات أسفل بيتك ثم ترتدى ملابسك لتخرج لتقضى يوما عاديا وتقوم بكافة مسؤولياتك، تحزن قليلا ثم تضحك وتسخر وتستمر! تغضب كثيرا من المرور والطرق والشارع ومن فيه، لكنك حالما تنزل إلى الشارع تصبح مثله، ولك نفس ثقافته وبك كل عيوبه، تدفع ضرائب لأجل خدمات لا تحصل عليها وليس من حقك الاعتراض بأى طريقة أو أسلوب على جودة الخدمة المقدمة، تقف فى طوابير انتخاب لتقول (لا) ثم تخرج النتيجة غالبا بـ(نعم)! نعم لكل شىء.. نحن موافقون بحكم الظرف الراهن والرغبة الشديدة فى التمسك بالحياة وبالوطن.
نحن نعيش داخل معجزة ولا نستطيع أن ننكر أننا أحياء وإنما بالرغم من كل شىء سعداء ونحيا حياة طبيعية إلى أقصى درجة أتعرف وسط كل هذه التفاصيل غير المعقولة بالنسبة لأى شخص من خارجها، ما الشىء الوحيد الذى يكاد يجعل حياتنا مستحيلة؟
هو أننا أصبحنا (مالناش أمان
نحب شخصا ونرفعه إلى أعلى مكانة حتى نقترب من جعله من المقدسات! وكلامه منزل! ثم نكرهه جدا جدا جدا ونلعنه حتى نحول نفس كلامه إلى لعنات وخيانات وتفاهات.
رجل يكون آمنا يعمل عملا يلقى قبول المجتمع وتأييد من حوله من زملاء وتلاميذ، ولا يكسر قانونا ولا يرتكب جرما! ثم فى ليلة وضحاها ممكن أن تتحول كل الحياة الآمنة لهذا المواطن إلى كابوس لا يفيق منه لأنه أصبح فجأة غير مرضى عنه أو عن آرائه أو عن دوره!
القوانين فى العالم كله وضعت (لتحميك)! أما فى بلاد مالهاش أمان !!القوانين تستخدم -عند الحاجة- لتؤذيك!!
فى هذا الزمان وهذه الثقافة فقط، يمكن أن تلوث سمعة أى شريف وأن تهدم حياة أى إنسان طبيعى، وأن يتحول بين ليلة وضحاها إلى موضوع الحديث الشيق عن كيف سقط وكيف خان وكيف صُدمنا فيه.
برغم رداءة هذا المنطق إلا إنه يعيد دائماً إلى أذهان الناس أنه لا ستر إلا من عند الله وحده ولا قوة غير منه، فمهما كانت شهرتك أو علاقاتك أو صيتك الحسن، الكل سينقلب عليك لأننا ببساطة جميعنا أصبحنا (مالناش أمان).
إن فكرة الأمان كفيلة بتحقيق استقرار نفسى وزيادة إنتاج وتقليل الاضطرابات فى المجتمع بشكل كبير، حيث يكف الناس عن محاولة تشويه الغير لضمان ألا يطالهم التشويه.
نفس الفكرة التى تجذب أو تطرد أعظم الاستثمارات التى تدر دخلا قومياً لأى دولة فى وضعنا، أن يشعر المستثمر بالأمان وأنه ليس عرضة لتغيير فى القوانين من شأنه أن يدمر ما بناه، ولا عرضة لنقص الخدمات فجأة ودون سابق إنذار (كما يحدث مع كبرى المصانع فى مسألة الكهرباء هذه الأيام) ولا أنه قد يخسر كل شىء بإشاعة تافهة قد تسرب عنه على موقع من مواقع التواصل.
لم يعد لنا أمان مع الكبير ولا مع الصغير، وغاب التمييز الحقيقى بين الخائن والمعارض بين المؤيد والراغب فى التطوير.
هذه أخلاق لا تعالجها إلا رحمة السماء، ورحمة السماء جاءت لنا هذه الأيام بظرف اسمه “حالة الحرب”، فما حدث فى سيناء وما تتعرض له مصر كل يوم تذكرة لنا جميعا بأن نعود بشرا أسوياء ونعيد إنتاج دولة سوية، تميز تمييزا إيجابيا لمواطنيها وتعطيهم (الأمان) شعوراً وحقا، ونكف عن تصدير فكرة التخوين ونستبدلها بخلق حالة الانتماء الحقيقى للوطن، فلنتواضع عن تلك العجرفة التى تملؤنا وتجعلنا ندمر حياة الناس بكلمة أو إشاعة، أمام ابطال حقيقيين لم يفكروا حين لاقوا ربهم أن نسميهم أبطالا ولكنهم يقينا لم يموتوا من أجل وطن لا أمان فيه ولا أمان له!