تبهرنى النماذج اليابانية فى التعلم, وقد كنت أقرأ مؤخرا عن نظام مدرسة توموى الابتدائية ضمن رواية رائعة تدعى (توتوتشن) المدرسة ليست مثل أى مدرسة، «لا توجد فصول للطلبة بل مبنى الاجتماعات وست عربات قطار تمثل كل عربة صفًا دراسيًا من الأول وحتى السادس ولا يزيد عدد طلاب المدرسة جميعًا على خمسين طالبًا.
عربات القطار ليست الاختلاف الوحيد عن باقى المدارس بل لا يوجد لدى مدرسة توموى جدول حصص أو منهج ثابت بل يختار الطفل عدة مواد يمكنه التبديل بينها يوميا، ويبدأ بالتعلم الذاتى وحده فى بعض الأجزاء وترك أخرى للمعلم ويؤجل بعض المواد التى لا يحبها إلى نهاية اليوم، ويتخلل اليوم استراحات وأنشطة منوعة لا يشارك فيها إلا الطالب الذى أنهى حصته من دروس اليوم وقام بالمشاركة فى نشاط مدرسى سواء التنظيف أو ترتيب الملفات.
قد يبدو نظام المدرسة فوضويًا ولكنه فى الحقيقة محكم للغاية، خاصه لأطفال يعلم كل منهم ماذا يريد أن يدرس».
هذا جزء مما ستقرأ حين تبحث عن رواية توتوتشن والتى تلهمك بفكرة بناء الإنسان التى صنعت حضارة اليابان الحديثة التى نعرفها من بعد كارثة هيروشيما.
بناء الإنسان سيظل هو التحدى وهو الجزء الأصعب فى كل محاولات البناء التى تقوم بها الشعوب..
بالعودة إلى نظام مدرسة توموى ستجد أن الحرية منظمة جدا, ومشروطة جدا.. أليست مخيفة؟ ألم يخشوا أن يصبح هناك متسربون ومتخلفون عن النظام؟، الحقيقة أن القصة- والواقع هناك- يخبرنا أن نظام الحرية لم يخب أبدا! وأن المدرسة اعتمدت بشكل أكبر على تنمية الجانب الإنسانى لا من خلال قصص أو وعظ أو أغنيات بل عن طريق المحاكاة وبناء خبرات حياتية للأطفال.
قياس ليس ببعيد.. هل من الممكن أن نطبق «نظام الحرية»على نطاق أوسع؟
نعم بقليل من الثقة بالنفس يمكننا أن نغير أجيالا ومجتمعات معتمدين نظاما جديدا يدرك ماذا نريد منه..«نريد أن نبنى أشخاصا أفضل.. ولنترك لهؤلاء الأفاضل مسؤولية بناء أى شىء آخر!!».
الخبرات الحياتية تغير المجتمعات. نعم.. فلنأخذ مسألة السيول والأمطار مثلا.. باعتماد نظام الحرية سنأخذ من المفاجأة أو المشكلة فرصة للتعلم وتوصيل رسائل للمواطنين..
«أنت مواطن لك قيمة , احتجازك فى طريق ليس مقبول دون توضيح , الدولة تهتم لأمرك , لو كان هناك أى حالات إنسانية أو طبية أثناء تعطل الطريق هناك تدخل للتعامل معها ورعايتها, وسائل الراديو تخاطبك فى سيارتك, التليفزيون يخاطبك فى منزلك , الجميع مهتمون بشأنك!».
كلها رسائل لو تعلمون ستنعكس فى اليوم التالى مباشرة على كفاءة العمل والرغبة فى المشاركة فى الإصلاح وأمور مكاسبها أعظم كثيرا من تكلفتها!!.
نظام الحرية يستخدم الظروف والمواقف ليغير من أفكار الناس عن أنفسهم وعن أوطانهم وعن حياتهم.
صدقونى.. نظام الحرية لا يكلف أموالا.. إنما يكلفنا فقط أشخاصا مؤهلين لتنبيهنا لتلك الفرص السانحة لصناعة تغيير على نطاق واسع وسريع. وأشخاصا مؤهلين لصناعته على نطاق محدود وطويل المدى.