مصطلح «هجرة العقول» أو «استنزاف العقول» Brain drain مصطلح يستخدمه علماء الاجتماع منذ بداية الألفية، وهو بحسب وصف مايكل باين- ٢٠١٢ «هجرة دولية دائمة أو طويلة الأمد للعقول والكفاءات ممن كانوا موضع استثمار فى مجتمعاتهم».
وبحسب تعريف اليونسكو ٢٠١١ الذى يشرح خطورة هذا الاستنزاف «شكل غير طبيعى للتبادل العلمى بين الدول فى اتجاه واحد لصالح الدول الأكثر تقدما».
وبمعنى أبسط.. هو أن يكون لديك مشكلات عديدة فى التعليم تنجو منها شريحة بسيطة جدا تجتهد وتساعد نفسها وتحقق أقصى استفادة من التعليم المتاح أو تستثمر من مدخراتها لتعليم أفضل، ثم تترك تلك الفئة فريسة لنظم حياة اجتماعية وسياسية غير مناسبة، فيهرب منك رأس المال البشرى بكل سهولة وبشكل مستمر فيفرغ مجتمعك من قوته مهما أنفقت من استثمارات أخرى فى مجالات متعددة.
لقد استسلمت مجتمعاتنا فى الماضى القريب لتلك الظاهرة بل اعتبرتها من مصادر الدخل القومى.. ربما كان هذا صحيحا فى فترة تصدير العمالة البشرية والحرفية فى مجالات المهنيين والإنشائيين، إنما الأمر اليوم اختلف تماما.. اليوم تهاجر عقول فى مجالات التكنولوجيا والتصميم والإبداع بكل صوره.. المجالات التى يتصارع فيها العالم للريادة والأكثر تأثيرا فى اقتصاديات الدول.. بينما نحن نتعامل مع الأمر بمنطق: فيه غيره كثير.. إحنا ١٠٠ مليون!!.
والحقيقة أن من يتعاملون عن قرب مع سوق العمل يدركون بسهولة أزمة الكفاءات التى نعانى منها وخاصة فى مجال تكنولوجيا المعلومات الملىء بالهواة، والذين توقف تعليمهم عند نقطة معينة صارت كافية لأكل العيش، بينما العقول المطلعة والتى لم تتوقف عن التعلم- وهى من أساسيات الريادة فى تلك المجالات- صار الطلب عليها عالميا، وفرص هجرتهم مكانيا، أو حتى عملهم فى أى مكان فى العالم وهم جالسون فى غرفتهم.
بنظرة سريعة على الجيل الحالى من العقول فى الوطن العربى والتى استُثمر فى تعليمها على أعلى مستوى، ستجد أن الاجيال التى تقود الآن هى أجيال تعلمت تعليما عالميا فى أهم جامعات العالم وعادت لتقود التطوير بحسب ما تعلموا وفهموا، وأن الأجيال الحالية التى تقود بالفعل معظم المواقع الحكومية والتنفيذية هى نتاج أسوأ عصر مر به التعليم فى مصر فى الثلاثين عاما الماضية.. وأن من نجا منهم وطور من نفسه لينافس عالميا.. لا يجد البيئة المناسبة لتطبيق ما تعلمه أو قد بحث بالفعل عما يناسبه خارج حدودنا وقوالبنا البالية للقياس والاختيار.. وهذا حاضر فى كل المشاهد التقنية، الفنية، الإعلامية وحتى الأدبية.
اللهم بلغت وقد بلغ قبلى كثيرون.
أفضل من فينا يائسون ولا يجدون لهم مكانا بيننا.. فأفسحوا لهم الطريق لئلا نستيقظ لنجد التشوهات والجهالات أمرا واقعا جديدا لا يطيقه وطن بحجم مصر.