كلنا نجرى ..نجرى من أشياء تخيفنا، ونجرى نحو أشياء نتمنى لو ندركها!
الحكمة تصرخ وتنادى ف الجميع .. أن يتوقفوا من وقت لآخر!! وقفة للمراجعة.. علنا نكون قد ضللنا! علنا نهرول فى الطريق الخاطئ!
فنتغافل عن صوتها ونهرب منها متمسكين بحماقاتنا، يأتينا القدر.. ليجبرنا على التوقف ولكن هذه المرة لا وقت للتأمل.. الوقفات التى يصنعها القدر قاسية.. يواجهنا مع قبحنا وزيفنا ويكشف بقسوة .. تلك الصحراء المقفرة التى نجرى نحوها..
فنفيق لاكتشاف أن الطريق كله.. كان خدعة! وأن السعى كله كان باطلا!
والعاقل فقط من يحول عينيه وقت الأزمة ويدرك أين يقف.. وإلى أين سيحول وجهته بعدها!
فاجعة مسجد الروضة.. جاءت لنا.. فى وقت غير متوقع!
جاءت وقت نجاحات كبيرة على المستوى الداخلى للوطن.. بدأنا ندرك أن لدينا مشروعات حقيقية نلتف حولها ولدينا أحلام حقيقية نسعى إليها..
لدينا تحديات خارجية وحرب تسعى إلينا.. ونبذل جهودا خرافية فى ملف العلاقات الخارجية لندفعها بعيدا عنا.. وكنا وسط كل هذا.. نتصارع على تفاهات أخرى ونتكالب حولها بحماس عجيب؟!
فى مجتمعنا أكاذيب راسخة نسميها (ثوابت) تعد من الكوارث! التى تعطل كل تنمية وتحرق كل جهد.. وتفنى كل محاولة!
جاءتنا فاجعة مسجد الروضة لتهز ثوابتنا.. وتزلزل كياننا.. هى حادثة مختلفة.. بكل المقاييس ..
ليس فقط بسبب عدد الشهداء ولكنها أيضا باغتتنا فيما كنا نظن أنفسنا آمنين…
لعلها واحدة من أسرار النجاح فى الحياة وهى الخروج من الدوائر المريحة..
جاءت هذه الحادثة لتهز (ثوابتنا المريحة)!!
فقد عشنا بقناعة مرعبة لا نعلنها على الملأ ولكننا ننفذها كل يوم مفادها «طالما لم يطالنى الإرهاب ف أنا متصالح معه إما بالموافقة عليه أو بتأييد فكره أو بالسكوت عنه !!».
فعاش البعض شامتين فى حوادث الإرهاب التى تطال رجال الجيش والشرطة وملقين باللوم كله على شخص ما فى جهة ما..
ثم جاءت المئات من حوادث الاعتداء على الكنائس فظهر التعاطف المبتعد والذى يحمل لدى البعض مبررا وتفسيرا للإرهاب نيابة عن الإرهابيين أنفسهم فروجنا لأنفسنا أن هناك (آخر) مختلفا يجب القضاء عليه ولكننا قد لا نوافق على الطريقة!! هذا هو الشكل الأعم لتناول الغالبية العظمى لحوادث الإرهاب..
حتى فى فاجعة مسجد الروضة.. هرولت نفس العقول فى نفس الاتجاه الجاهل.. هناك آخر (الصوفيون) وهناك ثمة مبرر ليفكر الإرهابى فى قتله! أى منطق هذا الذى نسمح لأنفسنا بترويجه! إنه ركض فى الاتجاه المغلوط وتهيئة للباطل أن يتحول إلى فكرة قابلة للمناقشة!!
إن كان خير ما وراء كل مصاب وكل مصيبة..
فالخير وراء فاجعة مسجد الروضة.. أن نراجع ثوابتنا العقيمة.. أعرف أن مصطلح (مراجعة الثوابت) مرعب بالنسبة للبعض..
مرعب لأولئك الذين لا يثقون فى ثوابتهم وغير المتيقنين فى أن مراجعة الثوابت.. ستقويها إن كانت صحيحة وتنقيها إن كانت هشة ومغلوطة!!
فلنراجع مواقفنا! تعاطفنا! انتماءنا! موقفنا من الوطن! التمييز بين الوطن والحكومة! التمييز بين الاختلاف والخلاف! الاستعداد لبذل بعض المجهود من أجل التغيير أم الاكتفاء بإلقاء اللوم على (آخر)!
كل من كان متصالحا مع الإرهاب بالصمت.. ومتواطئا ضد الوطن بالشماتة.. هزته الفاجعة!
كل من كان يحتمى بقناعات بالية تؤمن وجوده.. هزته الفاجعة!
الإرهاب معركتنا جميعا… ووقوفنا على الأطراف منها (تطرف) .. يسمح للعدو بالتوغل..
لا مكان اليوم إلى فى قلب المعركة..
ناقشوا البدهيات والمسلمات والثوابت البالية..
فلنسمح للهزة.. أن تحركنا مرة فى الاتجاه الصحيح..
فقد طال الرقاد!!
عزاؤنا أن الشهداء – كل الشهداء – هم الأحياء ونحن الراقدون!!