قابلت فى حياتى كثيراً من المشاهير فى كل المجالات «أدب، وسياسة، وفن، وعلم»، وبغض النظر عن رأيى فيما تفعله الشهرة بالإنسان، الذى ليس مجاله هنا فى هذا المقال، فإننى سجلت ملاحظة كبيرة تكررت كثيرًا فى هذا العالم الذى يراه الناس ساحرا فى كثير من الجوانب، ويسعى إليه كثير منهم بجنون، ومهما كلفهم من أثمان!.
الشهرة تخلق حالة رهيبة من الوحدة، فكلما كثرت العيون التى تراقبك «حباً أو كرهاً.. إعجاباً أو استياءً» زادت وحدتك بشكل مخيف!.
لن أنسى أبداً إحدى الشخصيات المرموقة، والذى اعتبرنى كابنته، و«فضفض» لى قائلًا: «أحيانا بس أخرج من بيتى علشان أمشى فى الشارع وأعمل نفسى رايح مكان قريب علشان أشوف الناس، ما بقدرش طبعا أقعد فى حتة، وألف لفة سريعة فى الشارع، أتصور مع اللى يحب يتصور معايا، وأرجع تانى لوحدتى»!.
تقريباً.. هكذا رأيت معظم المشاهير الذين عرفتهم، أو الأسوياء منهم، لأن تلك الحالة من الوحدة تُصيب هؤلاء الذين يبقون من داخلهم «بنى آدمين»، ورغم كل ما تسببه الشهرة من جنون، يشعر الشخص أنه لا يفهم سبب كل هذا الاهتمام به، ويضع عليه الناس قيوداً عجيبة من ناحية مظهره الذى يجب أن يكون كما يتوقعون منه.
حياتهم وحيدة بمعانٍ كثيرة، فإن أخطأ فخطؤه مضاعف، وإن طلب شيئا سيُتهم بالطمع، فهو فى نظر الآخرين يملك كل شىء، وفى أغلب الأوقات يتعامل معه المقربون على أنه لا يحتاج إليهم، فلديه محبوه، وهذا التصور هو من أعظم أسباب الوحدة، فالمشهور يحتاج بشكلٍ أعمق إلى العلاقات الإنسانية الطبيعية.. العلاقات التى فيها مساحة الانتقاد، والاختلاف، والنقد الأمين حتى لتفاهات الإنسان اليومية.
أتصور ثلاثة أدوار مهمة نقوم بها مع المشاهير:
أولًا: ألا نبالغ فى المديح لئلا تختل السلامة النفسية لهؤلاء، ويصدق الإنسان أكذوبة أنه أفضل فيزداد انغماسا فى الوحدة، تلك التى نسميها نحن بعد ذلك «البرج العاجى».. وأن نناقش الإنجاز والإضافة التى يقدمها المرء لمجتمعه ونتخلى قليلا عن تقييمه هو شخصيا.
ثانياً: ألا نقسو فى النقد لحد الإهانة حتى يصل الأمر إلى مزيد من المرارة عند هؤلاء البشر الذين لديهم أسر، وهم آباء، وأمهات، وأن نتوقف عن تكرار تلك الجملة المستهلكة «ضريبة الشهرة»، و«من يقتحم الحياة العامة عليه تحمل ذلك».. عليه تحمل الانتقاد «نعم».. إنما البذاءة والرداءة والقسوة!.. لماذا نحكم على إنسان ما بهذا المصير؟!. مهما كانت زلته أو فعلته.. فالسماح لأنفسنا باستباحة حرمة من أخطأ حتى لو كان ألد خصومنا لهو ضرب من الرخص والتدنى لا مبرر له مهما روجنا غير ذلك.
ثالثًا: أن يتعامل الإعلام مع المشاهير كبشر.. يحاورهم على مستوى الأفكار والمشاعر، لا على المستوى الضحل بتاع «إيه آخر أعمالك»، و«هتصيف فين السنة دى»، و«ليه يا ترى فلان شتمك؟!».. خاصة مشاهير الفن الذين سيظلون، بالنسبة لأجيال كثيرة، مثلا يتشبهون به.. فثمة فرصة حقيقية لتغيير سلوك أجيال قادمة.. يتعلمونها ويكتسبونها من (مشاهيرهم).
ثمة مسؤولية مجتمعية حقيقية تقع على عاتق أولئك المشاهير أو النخب.. أن يكونوا أصحاب رسالة حقيقية ترد دين الناس لهم.. لكن هناك أيضا مسؤولية من المجتمع تجاه رموزه.. هى مسؤولية الإكرام والاحترام والتقدير لمكانتهم لا أن تنتهى بهم الأمور.. أن نشوههم إذا قالوا ما لا يعجبنا.. أو أن ننساهم إذا توقفوا عن إبهارنا.