تحيا مصر.. ونحيا إحنا كمان!!

أوجعنى الألم هذه المرة.. أكثر من كل المرات السابقة.. لقد اعتدنا الحزن.. نرتدى الأسود فى برامجنا أكثر مما نرتدى أى لون آخر.. نتحدث عن الشهداء والضحايا أكثر مما نتحدث عن العمل والاختراعات والأخبار السعيدة.. صار الحزن جزءاً من مرادفاتنا اليوم.. ففقد جزءاً كبيراً من جلاله- على رأى العظيم صلاح جاهين- إلا هذه المرة.. كان الحزن كبيرا جدا.. غرقت فيه حتى لم أعد قادرة على التعبير عن الغضب.. ركبت سيارتى وتوجهت إلى مكان الحادث.. بعدها بساعات قليلة.. تحركت وحدى فى صمت ما بين الكنيسة والمستشفى.. فى طرقات المستشفى كان الحزن مخيفا والصرخات قاتلة.. وأصوات الشباب المجتمعين فى الخارج والهتافات أصبحت فجأة سببا للرعب.. فمن منا يريد أن نعود للنقطة صفر مجددا؟!.. قطعا لا نريد ذلك.. لا نريد مزيدا من الدم، ولا مزيدا من الصراع، ولا مزيدا من الموت.. كفانا.

– بعد أن اختزنت كل هذه المشاعر فى قلبى.. لم أسلم على أحد فى ساحة الكاتدرائية التى كانت قد بدأت تمتلئ بالوجوه الرسمية التى تظهر دائما فى مناسبات كتلك.. صمت.. كما كان حال الجميع.. وانسحبت فى هدوء.. واختبرت هذا الأسبوع حزنا لم أختبره منذ سنوات طويلة.. حزنا أخذنى من ساحة البطرسية لكنيسة القديسين، لرفح، للعريش، للمنيا.. لمركب الهجرة غير الشرعية.. وغيرها وغيرها… ما كل هذا !!! ما الذى حل بنا…؟!!

هذه الكلمات التى أكتبها الآن هى تقريبا أول ما استطعت كتابته منذ ذلك الحين.. فقد توقفت الكلمات عن إعطاء أى معنى، وفقد كثيرٌ من العبارات صوت صراخها المعتاد..!!

نموت نموت.. وتحيا مصر!! كانت ومازالت كلمات نرددها ونؤمن بها… مسيحيين ومسلمين… مصر أغلى من أن نعيد تقييم مكانتها فى قلوبنا بعد كل مصاب وكل ألم.. لكنى أتساءل اليوم: هل يمكن أن نخرج من تلك الدائرة قليلا.. ألا يمكن أن نحيا وتحيا بنا مصر…؟؟!!

الأوطان تتحرر بدماء شهدائها.. وأنا ما أصبح يخيفنى أننا نموت أحيانا بلا حرب!! ندفع أثمانا غالية من أرواح أبناء الوطن.. ثم لا تشترى هذه الدماء شيئاً- لا شك أن دماءهم الزكية قد اقتنت لهم السماء- إنما أتحدث هنا عما يحدث على الأرض بموت هؤلاء… إن لم يتغير شىء كبير وحاسم بعد كل حادثة كبرى كتلك الحوادث الجسام !! فماذا سيغيرنا إذن؟؟

لقد اعتدنا فكرة موت أنقى من فينا، وأنبل جنودنا.. والصائمين والمصلين..!! لكن كفانا استعذاباً لفكرة الموت وثقافة الموت.. نعم.. الأوطان تتحرر بدماء شهدائها.. لكنها تحيا بحياة أبنائها…! فلا تقبلوا موت شركائكم فى الميدان.. ولا تقبلوا موت شركائكم فى الأوطان.. ولا تقبلوا موت جنودنا بلا حرب.. لا تقبلوا موتا خسيسا على يد عدو لا يقاتل بشرف.. لا تقبلوا الموت.. لا تستسلموا!!

لقد صار يزعجنى جدا.. تراجع ثقافة الحياة فى كل شىء… فى عدم القدرة على تكرار المحاولة إن فشلنا.. وكأننا موتى!، فى عمل يؤدى بإهمال وكأننا موتى!، فى قبول لما هو ردىء واعتقاد أننا نستحقه.. وكأننا موتى!! فى مظهر بغير ذوق، وملابس بلا ألوان وكأننا.. موتى!!

ما الذى يمكن أن يعيد جيلاً بأكمله إلى الحياة.. بكل صورها.. ما الذى يمكن أن يعيد شعبا إلى ثقته بنفسه ويقينه بالغد؟ ما الذى قد يعيد البهجة لشوارعنا.. والأخلاق لأحيائنا والحب لقلوبنا… والحياة لأوطاننا؟!

فتصير أوطانا نحيا فيها.. قبل أن نموت لأجلها!!!

لقراءة المقال علي موقع المصري اليوم

Tags:
To Top
Contact

Get In Touch