قرارات «استفزازية»!

تنهال علينا أخبار تفترض فينا البلاهة وعدم الإدراك.. ولأننا لم نعد كذلك أصبح من المستحيل أن نتظاهر حتى بذلك..

لم يفت أحدا منا خبر زيادة الجمارك على السلع «الاستفزازية»، والمقصود بها سلع الرفاهية والكماليات، والحقيقة أن الخبر فى عنوانه ومضمونه مستفز!!

فصياغة العنوان نصف الرسالة فيما تريد أن تقول.. لماذا تفترض أن يستفزنى شخص يشترى (مكسرات) أو (لعبة إلكترونية) أو حتى شخص يقود (أغلى سيارة فى العالم)، الطبيعى أننا بشر وأننا طبقات، وأنه مادام مَن يشترى يشترى من ماله الذى جناه من عمله، وليس لصاً سرق قوتى، ولا دجالاً غيَّب عقلى، ولا مسؤولاً تربح على حسابى.. فليست عندى مشكلة!!

الطبيعى أن هناك أشياء أقدر على شرائها وأشياء أخرى فوق مستوى إمكاناتى المادية.. هذا ما نُعلمه لأطفالنا حتى لا يكبروا حاقدين وكارهين وتافهين.. وهو ما تدمره الصناعة العشوائية للوعى فى هذا الوطن.

فصياغة منطوق القرار بكلمة «سلع استفزازية» تخلق حالة عدائية بين القادر وغير القادر، تقسيم إجبارى وتنمية أحقاد وتوسيع للفوارق.. وكأن الغنى مستفز للفقير، تشويه للثوابت، تشويه لصورة الله، الذى خلق البشر وقسَّم أرزاقهم، وتشويه للمجتمع وتمرير رسالة خفية مفادها: احقد، اكره، اسرق!!!

قد يظننى البعض مُبالِغة فى تصورى هذا.. لكن المهتم بهذه الفكرة عليه أن يبحث حولها ويقرأ قليلا فى مفهوم العدالة الاجتماعية ومفاهيم الخطاب العام وصناعة الخبر.

العدالة الاجتماعية- جزء من معناها- أن الفقير والغنى كلاهما قادر على العيش بكرامة وشراء أساسيات الحياة من نفس المتجر، والعلاج فى نفس المستشفى، واستخدام نفس وسيلة المواصلات الكريمة!!

الحقيقة أنه ليس منطوق الخبر فقط هو ما استفزنى.. إنما محتواه.. فقراءة سريعة تجعلك تجد.. الأجهزة الكهربائية، أفران الطبخ، أجهزة استقبال، ومستحضرات نظافة شخصية، وأقلام «جاف ورصاص»!!!

والسؤال: قبل أن تُصدر الدولة فرمانها بالزيادة المهولة فى الجمارك، والتى تلت زيادة أكبر بسبب سعر الدولار.. هل تأكدت من توافر بدائل (مختلفة)، أى أكثر من بديل لكل منتج تتم زيادة الجمارك عليه؟ هل أصدرت الدولة تسهيلات للصناعات الصغيرة والمتوسطة، واطمأنت أنها تكفى الشكل المحلى وتنافس بديلها المستورد؟ هل فعَّلت معايير صارمة للرقابة على الجودة، أم مطلوب منا أن نرضى بالرداءة والقبح كأسلوب حياة؟

لم تصلنا قرارات تفيد دعما حقيقيا للصناعة الوطنية.. كلها مجرد وعود ونيات ورؤى- جيدة- متفرقة، إنما لم تبدأ بعد الصناعة فى التحرك، فكيف نغلق على الناس حق اختيار الأجود.. ونجعله مقصورا على الأغنياء فقط!!

ومَن يراقب السوق المحلية وأسعارها؟ وأين ضمانات أن البديل المحلى لن يتضاعف سعره.. حتى إن قارنته بمثيله المستورد الذى زاد 500% تجد نفسك مضطرا لقضاء أخف، وهو قبول السعر المضاعف.

لقد كان دعمنا لتعويم الجنيه دعما للاقتصاد الوطنى، حتى إن لزم علينا تحمل تبعاته القاسية!! إنما دعمنا اليوم قرارات جمع الأموال من المواطنين بكل الوسائل الممكنة!! غير ممكن.. فلن نغشكم ونصفق، ولن نتظاهر بأن الأمور على ما يُرام عندما نلمس بأيدينا أتونا اقتصاديا يحرق بيوتا كانت وعاشت مستورة.. واليوم تُلقيها قرارات قاسية غير مدروسة إلى الكفر بالصبر، وإلى ضيق العوز ومذلة السؤال!

لقراءة المقال علي موقع المصري اليوم

Tags:
To Top
Contact

Get In Touch