أكتب الآن وذهنى بعيد تماما عن أى شىء سوى.. صورة الجنود المقاتلين الذين قدموا دماءهم الزكية.. فداء لوطننا، ورغم كل حزن على قسوة الأمر على قلوب أمهات ثكلى، ورغم كل الغضب من أوضاعنا الداخلية التى مازالت بحاجة إلى ترتيب وتغيير حاسم فى كل تفاصيلها ومن سلوكنا غير الناضج فى الخصومة وفى النقد وفى تحليل الأمور.. إلا أننى أجدنى أرصد، اليوم، 10 أسباب للامتنان:
1- مُمْتَنَّة لأن عندى وطناً، حدوده مصونة وإرادته حية.. مُمْتَنَّة أن بلادى حية وأنها قوية تحب الحياة!
2- مُمْتَنَّة لأولئك الشهداء الذين أكرر أسماءهم كثيرا وأطيل النظر إلى صورهم، وكأننى أحاول ألا أنساها أو أنساهم.. ذكراهم تُطمئننى وتُشعرنى بكثير من الأمان، الذى أفقده أحيانا وأنا أسمع أصواتا تشمت فى سقطات الوطن وتُعَرِّيه، ثم لا تقدم له سندا يستره.. أصواتا تخاف من قسوتها على وطنك وعلى عِرضك.
3- مُمْتَنَّة لأن جيش بلادى لم يَخُنْ.. ولأنه يثأر.. ويعطى رسالة للداخل والخارج.. أن لأولاده ثمنا وأن دماءهم غالية تستوجب القصاص!
4- مُمْتَنَّة للشوارع المزدحمة.. رغم ضيقى من طول ساعات الانتظار وتكاسل بعض المسؤولين عن حلول متاحة للأزمات.. إنما الشوارع المزدحمة تعنى أننا نعمل وندرس.. نحيا ونتزاور.. الشوارع مليئة بالبشر الآمنين فى أوطانهم!
5- مُمْتَنَّة للرفوف الخالية من بعض الأصناف، لأن ذلك يعنى أن تروس المصانع فى بلادى ستدور من جديد، وأن الصناعة المصرية ستجد إقبالا من السوق المحلية وتتطور وتنافس وتزدهر.
6- مُمْتَنَّة للكنائس والجوامع الممتلئة بالعابدين الساجدين الذين يرفعون صلواتهم لأجل بلادى نهارا وليلا، ولأنه رغم الحالة العامة من زيف التدين إلا أن بلادى فيها موروث من الروحانية موجود فى قلوب مؤمنين حقيقيين يطلبون وجه الله ورحمته.
7- مُمْتَنَّة لبيوت الفقراء التى علمتنى أعمق دروس الشكر وأسمى دروس الستر، بيوت الفقراء فى بلادى تقدر على الاستغناء وتتغطى بالشكر.. وفى وقت يصرخ فيه الأغنياء من ارتفاع سعر النوتيلا، تصنع أم فقيرة الحلوى من قشر البرتقال، وتضحك على الزمن الآتى بحكمتها وإيمانها، بيوت الفقراء علمتنى أن قلة المال أبدا لم تكن مصيبة قدر ما تكون قلة الحكمة وقلة الشكر.
8- مُمْتَنَّة أيضا لبيوت الأغنياء الذين حركت فيهم الأزمة أحشاء رحمة واهتمام بالآخرين.. فتحوا بيوتهم بالخير أكثر كثيرا من ذى قبل، اقتسموا عشاءهم الفاخر مع بيت يعلمون بحاله ويبتغون إسعاد سكانه.. مُمْتَنَّة لأن منهم مَن أنزل زجاج سيارته الفاخرة لينظر بقلبه أحوال الناس ويفتش فى إمكانياته عن طرق لإسعاد الناس، مُمْتَنَّة لفواتير المستشفيات المدفوعة سرا، لملابس المدارس الجديدة، لمصروفات المعاهد المُسَدَّدة.
9- مُمْتَنَّة لأولئك الذين يعملون بإخلاص ويغيرون من مواقعهم واقعا مرا، يقدمون خدمات تغير شكل الحياة فى بلادى.. لكنهم لا وقت لديهم ليتحدثوا ويفاخروا ويزايدوا.. مُمْتَنَّة لأنهم موجودون، ولأنهم مشغولون عن تفاهات من شأنها أن تُعطلهم وتُثنيهم عن جهادهم.
10- مُمْتَنَّة لظروف كشفت قادة رأى مزيفين، وإعلاميين فاسدين، ووزراء غير صالحين لمواقعهم.. لأن ضغط الظروف ورأى الناس سوف يُطيحان عاجلا بهؤلاء ويأتيان بمَن يستحق فى المكان المناسب.
مُمْتَنَّة لمَن يعمل ومَن يدرس ومَن يضحك ومَن يعطى ومَن يبتسم، مُمْتَنَّة للحياة بكل أشكالها.. فالله لم يبخل علينا يوما أن نحيا.. لكننا استكثرناها على أنفسنا واخترنا.. أن نموت يأساً.. بدلاً من أن نفتش فى أسباب الحياة!