مصنع الأبطال

هل تذكرين تلك الصديقة التى قابلتها صدفة ثم لم تنقطع علاقتكما من بعدها أبدا؟ وتلك الصديقة التى ترتاحين لصحبتها وتثقين بحكمتها ولطالما سألتها من أين أتيت بكل هذه الحكمة والعمق! هل تذكر ذلك الشخص الذى فاجأك بمحبته ورجولته فى يومك الصعب رغم أنكم لم تكونوا قبلا أصدقاء ومن بعدها تمسكت به ولم تفلته ولم تتوقف يوما لتسأل لماذا هو مختلف بهذا الشكل وبكل هذه القوة فى الحضور؟

تلك العينات الحلوة من البشر التى تبهرك بتفاصيل الجمال التى تظهر لك كتجليات فى أصغر التفاصيل، هم ليسوا دائما الأشخاص الأكثر شعبية، وليسوا دائما أصحاب لسان.. لكنهم دائما مختلفون، عندهم من الجاذبية التى ترتاح معها لمعشرهم ولكلماتهم من القوة التى تخترق روحك دون ترتيب ودون فصاحة.. قوة الحق والحقيقة التى نفتقدها فى عالم متشح بالزيف والقبح!

أتوقف عند أحدهم.. وأسأل كثيرا.. كيف تشكل حتى صار كريما كحجر أصيل، كيف تنقى حتى صار لامعا كذهب خالص!

إننى لم يخذلنى حدسى أبدا.. ولم تكذب كلماتهم أيضا.. فجميعهم اشتركوا فى تلك الصفة الكريمة وهى تخرجهم فى (مصنع الأبطال) هكذا اعتدت أن أسمى (التجارب الثقيلة) وخاصة تلك التى تستمر فترة من الزمن أو يستمر أثرها طويلا.. «مصنع الأبطال» أسمع أن فلانًا امتحن بمرض صعب، أو بفقد عزيز.. أو أن فلانة صبرت على هم ثقيل لسنوات ولم يشعر بها أحد.. فيسجد قلبى مصلّيًا لهؤلاء الأبطال الذين هم «قيد التصنيع» وأرفع وجهى للسماء وأقول «أعرف أن يدك ستكون حانية عليهم وقت التشكيل المؤلم»!

حاملو الرسالات والمؤثرون فى دوائرهم والمتميزون رغم الظروف والقلوب الكريمة المتسعة يشتركون جميعا فى كونهم خريجى «مدرسة الألم» وأن كل هذا الجمال مر على خطوط التصنيع فى «مصنع الأبطال» فتشكلت جروحهم لتتحول إلى علامات جمال دائمة، وتعطرت تفاصيلهم لتتحول إلى منابع عطر تفوح كلما اقتربت منهم أو تلامست معهم.. جروح ودموع وأيام طويلة من الأسئلة أثقلتهم كثيرا فى حينها.. لكنها غيرت ملامحهم للأجمل.

لا مكان للسطحية ولا المكائد ولا الابتذال ولا الكذب فى دوائر هؤلاء.

أكتب للمحيطين بهؤلاء.. اقتربوا بحرص وجلال.. وساعدوهم على الخروج سريعا لأداء أدوارهم الجليلة.. ولا تطفئوا النور الذى يحيطهم بكلمات المواساة الباردة وتحليلاتكم التى بلا معنى.. لا تكونوا معزين متعبين.. قفوا جوارهم فى صمت أحيانا.. وتحينوا الفرصة المناسبة لتشيروا عليهم بفكرة أو بشخص يمر الآن بنفس ما اختبروه سابقا.. فتلك فى الغالب مواضع استخدامهم وأماكن تألقهم.

أيها الأبطال تشددوا.. واعبروا إلى الناس لأنهم فى حاجة إلى خبرتكم وتجربتكم.. لا تبخلوا عليهم بما لديكم واختبروا معهم بهجة أن تكون الشخص المناسب للعمل المناسب!

تشددوا.. فإنا ننتظركم!

لقراءة المقال علي موقع المصري اليوم

Tags:
To Top
Contact

Get In Touch