أسوأ ما في منتدى الشباب

جاء موعد الاحتفال السنوى بتجديد الدعوة إلى شباب العالم ليروا مصر بعيوننا، كما نراها وكما نريدها.. مصر الأخرى غير تلك التى يسمعون عنها فى أخبارهم، وغير تلك التى يُصدِّرها الكارهون فى قنواتهم.. إنه الحدث الذى يفتخر كبيرنا وصغيرنا بأنه مصرى، ونفتخر جميعًا بأننا شهود على الفكرة منذ بدأت، وشهود عيان على نضجها واكتمالها عامًا بعد عام..

فى كل عام أسجل زاوية، عسى أن أساعد فى نقل الصورة لمَن لم يحضر أو فى تهدئة الغاضبين على طول الخط، لكن هذا العام سوف أتخذ مكانًا آخر.. سوف أشارككم بأسوأ ما فى منتدى شباب العالم، فكل شىء رغم روعته يحمل فرصًا للنمو، وربما إذا ما سمعتم شهادة ممن يرى الإيجابيات ويحبها ويُثمِّنها من زاوية أخرى تكتمل لديكم الصورة..

1- أسوأ ما فى المنتدى أنه يضم 8000 شاب فقط، قد يبدو الرقم كبيرًا بما فيه الكفاية للوهلة الأولى، لكن عندما تتجول فى طرقات المنتدى تشعر بالغيرة لمَن تحبهم من شباب مصر، وتشعر بالرغبة الشديدة فى دعوة العالم ليروا مصر التى فى شرم الشيخ، كيف تُدار وكيف تعمل، كيف تُوزع الأدوار وكيف تُقسم التخصصات، مصر التى فى المنتدى جميلة ومبهجة وقادرة، مصر كما نحب أن نراها، فكيف لا تتمنى أن يكون هنا المزيد والمزيد من الشهود على هذه العظمة؟

صرت فى كل مرة تشرق فيها شمس هذه الأرض الحلوة أردد أننى «أحبها وأعشق سماءها».. أجيال توقفت عن التعامل بمنطق «أمى أو أبى»، اللذين أحبهما (رغم) عيوبهما!

وتتعامل مع فكرة حبها كعلاقة ناضجة بين وطن ومواطن! لا نثقل عليها بأكثر من ذلك ولا نرضى لها بأقل من ذلك!

المصريون الآن فى حالة تخبط فى تحديد الهوية.. الغالبية، باستثناءات ضعيفة جدًا، لا يعرف ماذا يريد تحديدًا.. يريد كل شىء فى نفس الوقت.. يريد إنجازات لا يشارك فى تحقيقها.. يريد الكذب والشرف! يريد سلطة بلا محاسبة! يريد خدمة بلا قانون! يريد مكاسب دون جهد!

كيف نتعجب ممن سرقوا ما صار متاحًا لهم! ونحن لم نهيئ «معيارًا عامًا للسلوك» يصبح مَن يخالفه تحت سلطة القانون أو تحت سلطة المجتمع، الذى يرفض بشدة هذا السلوك الفردى؟!

الطبيعى أن تكون الفكرة البديهية بشأن السلوك اللائق معروفة لدى الجميع.. لكن الواقع أكثر إيلامًا، هناك حالة من التشوه السلوكى تجتاح مجتمعنا بشكل مرعب، تجَوّلْ فى المناطق الشعبية تحديدًا، والتى كانت حتى وقت قريب مصنع الشهامة والأصول والأخلاق والترابط.. ترَ واقعًا (مرعبًا) لا يمكن حتى أن تتصور أنه يحدث.. لكنه حادث بالفعل، وسيتزايد قوة وانتشارًا.. فلم يعد هناك هذا «المعيار العام» للسلوك! للصواب والخطأ! الحقيقة أن الدولة فى سابق عهدها اعتمدت تمامًا على المؤسسات الدينية فى ضبط معيار الصواب والخطأ لدى الناس!! وخاب رجاؤها لأنه وبكل صراحة.. حتى المؤسسات الدينية متخبطة فى هويتها ورسالتها، تتشابك سياسيًا واجتماعيًا وغاب عنها الدور الأصلى فى تهذيب أرواح الناس، والذى بالطبيعة يهذب سلوكهم شيئًا فشيئًا.. فنرى صورة متدينين غاية فى الفظاظة والقسوة! غاية فى التشدد والعنف!! وللأسف غاية فى الفساد!

مصر فى طريقها للتحول إلى دولة مؤسسات- حتى وإن لم تبلغ ذلك بعد- وفى هذا الطريق يجب على تلك المؤسسة العظمى أن تعلن بوضوح عن هويتها: مَن نحن «هويتنا»؟ ما رؤيتنا؟ ما مهمتنا؟؟

التغيير أن نعلن ونكرر الإعلان عما هو مقبول وما هو غير مقبول.. أن نواجه الخطأ الأول، ونحاسب الخطأ الثانى، ولا نقبل بحدوثه مرة ثالثة.. هكذا ترتقى الأمم..

الواقع أنه بينما يتطلع بعضنا أن يحب الناس سماءها.. البعض غارق فى حب التراب وعالق فى كل ما يتعلق به من سلوكيات! وحتى تلتقى الفكرتان سنتخبط كثيرًا!

2- أسوأ ما فى المنتدى أن هناك أزمة حقيقية فى فهم الأدوار المطلوبة من بعض الشباب المصرى، الدور الأهم لكل شاب مصرى أن يفتح لنفسه ولوطنه آفاقًا للتواصل والمشاركة والتفاعل والصداقات الجديدة مع شباب من كل دول العالم، أرى أحيانًا أن بعض شبابنا يكتفى بالمشاهدة، دون أن يغتنم الفرصة ويُثرى تجربته الثقافية بتفاعل حقيقى وراقٍ مع شباب آخرين، قد تكون ثانى أفضل دعاية لمصر- بعد روعة المؤتمر- شخصيات الشباب التى يتعرف عليها العالم، فيغيرون الصورة الذهنية لا عن مصر فقط، بل عن المصريين أيضًا.

3- أسوأ ما فى المنتدى أنه رفع سقف الطموحات، بل عمَّق اليقين بأننا- إن أردنا- نستطيع! ونرفع أحلامنا حد السماء أن ينسحب النموذج على كل مناحى الحياة فى مصر، القيادة للشباب، الإشراف للمتخصصين، الاستدعاء للكوادر، والكفاءة معيار الاستمرار فى المهمة، الشركات المصرية المتخصصة أداؤها عالمى بمعنى الكلمة، الحلول حاضرة والتفاصيل يتم الاعتناء بها!! خلطة ساحرة من الإيجابيات.. لا ينغصها إلا العودة إلى الاصطدام بمؤسسات لا تقدم نفس الصورة عن مصر، نحزن وندرك أننا نضيع الفرصة، ليس لكوننا لا نستطيع، لكن لكونهم لا يريدون.

منتدى شباب العالم يشبه مصر التى نحبها، ويشبه مصر التى نريدها، فسامحونا إن بدونا منحازين للتجربة.. تلك التجربة، التى لو لم يقدم أصحابها على مدار خدمتهم سواها.. فهم قد قدموا الكثير بالفعل!

لقراءة المقال علي موقع المصري اليوم

Tags:
To Top
Contact

Get In Touch